«المركزى» يرفع سعر الفائدة الرئيسى إلى 40% لدعم البيزو
تعد الأرجنتين ثانى أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية بعد البرازيل، بناتج محلى إجمالى يبلغ 600 مليار دولار.
وكانت الأرجنتين، فى وقت من الأوقات، واحدة من أغنى الدول فى العالم بسبب مواردها الزراعية والمعدنية الكبيرة وشعبها المتعلم.. لكن أيضاً لديها تاريخ طويل من عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى.
وسبق حكم الرئيسة السابقة «كريستينا فيرنانديز دى كيشنر»، حكمت فترتين رئاسيتين 10 ديسمبر 2007 حتى 10 ديسمبر 2015، حكم زوجها الراحل نيستور.
وكلاهما «دى كيشنر، ونيستور» اتبعا سياسات خاطئة عزلت الدولة وتسببت فى ركود اقتصادى.
وذكر موقع «سكاى نيوز» الإخبارى، أن التحدى الأكبر الذى يواجه الرئيس الحالى، ماريشيو ماكرى، والذى بدأ فترته الرئاسية فى 2015، هو التغلب على هذا الإرث.
وتبنى ماكرى، أجندة إصلاحية ونجح فى إعادة تقديم الأرجنتين دولياً، ولكنه يواجه عقبات على طول الطريق من الكونجرس الذى تسيطر عليه المعارضة.
ووعد بتخليص الاقتصاد من الحالة السيئة التى وصل إليها تحت حكم أسلافه اليساريين، وكانت خطوته الأولى هى إصلاح الإحصاءات الرسمية التى تم تشويهها عمداً لإخفاء الحالة الضعيفة للاقتصاد.
وألغى ماكرى، السياسات والتعريفات الحمائية التى فرضتها كيشنر، ورحب مجدداً بالمستثمرين الأجانب، واضطر إلى تطبيق تدابير تقشفية لخفض العجز فى الموازنة بعد أن اتسع تحت حكم كيشنر.
وجمدت الأرجنتين سعر الغاز والكهرباء والمياه فى 2002، ما تسبب فى انهيار الاستثمار وترك شبكات الطاقة فى حالة خربة.
وتحولت الأرجنتين، من مصدر للطاقة إلى مستورد، وذهب معظم الإنفاق العام إلى دعم الطاقة والرشاوى السياسية بدلاً من الاستثمار فى البنية التحتية.
وأصلح ماكرى، نظام المعاشات الذى كان يستهلك ثلث الموازنة الحكومية قبل تولى «كيشنر» الرئاسة، ولكن بعد سنوات من توليها السلطة ورشوتها للناخبين بالأموال المقترضة، أصبح يستهلك نصف الموازنة.
وقضى ماركرى، على الكثير من الفساد الذى كان قائماً، ورفع أسعار الطاقة والمواصلات إلى مستويات قريبة من أسعارها السوقية.
وهذه الإصلاحات دفعت المستثمرين الأجانب إلى مساندة ماكرى، ونجح أحدث إصدارات الدولة للسندات بآجال تصل إلى 100 عام، وهو ما كان بمثابة انتصار لدولة تعثرت فى سداد التزاماتها ثمانى مرات، منذ أن استقلت عن أسبانيا فى 1816، كما أنه دليل على الثقة فى ماكرى.
وللأسف، أصبحت الأمور أكثر صعوبة مؤخراً، خصوصاً وأن الشعب ضاق ذرعاً بالتدابير التقشفية وبدأت النقابات تقاوم الإصلاحات التى تجعل سوق العمالة أكثر تنافسية.
كما كان حظ الدولة سيئاً نظراً لتضرر صادراتها الرئيسية بعوامل أخرى مثل الجفاف الذى أضر بإنتاج فول الصويا، أحد أهم الصادرات الأرجنتينية، وهو ما حرم الدولة من سلاح رئيسى فى معركتها على عجز الموازنة.
كما أضر الجفاف بإنتاج الخوخ والخوخ المعالج، وهى منتجات تصديرية مهمة أيضاً.
وأضاف أن ارتفاع الدولار سبب آلام الدولة، وهو سبب معتاد للآلام بالنسبة للأسواق الناشئة مثل الأرجنتين التى تقترض بالعملة الخضراء.
واقترضت الدولة حوالى 100 مليار دولار خلال العامين الماضيين، ومع ارتفاع الدولار، قفزت تكلفة خدمة الدين، كما طالب المستثمرون فى الأصول المقومة بالبيزو بعائدات أعلى مقابل حملهم، وهو ما تسبب فى موجة بيع للعملة الشهر الحالى.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن البنك المركزى الأرجنتينى فاجأ الأسواق برفع سعر الاقتراض الرئيسى ثلاث مرات الأسبوع الماضى ليصل إلى 40%، فى خطوة عززت العملة المحلية «البيزو» التى تعرضت للانحدار بعد أن تضررت عملات الأسواق الناشئة بموجات البيع الكبيرة.
وكشفت البيانات أن البيزو قفز بأكثر من 5% ليصل إلى 21.238 مقابل الدولار بعد الارتفاع الثالث لأسعار الفائدة فى أسبوع واحد.
ويأمل ماكرى، أن يؤدى هذا الرفع المفاجئ لأسعار الفائدة فى وقف بيع البيزو وتقليص معدلات التضخم، ولكن ذكر موقع «سكاى نيوز» الإخبارى أن الخطر الحقيقى الذى يواجهه هو استغلال المعارضة للوضع، لإعاقة مزيد من الإصلاحات الصديقة للأعمال والضرورية لإنعاش الاستثمار، وللإطاحة به فى الانتخابات المقبلة.
ورغم إطلاق «ماكرى»، برنامج إصلاح اقتصادى قاسٍ لإزالة التشوهات الاقتصادية فى عهد أسلافه، لا يزال يتمتع بمعدلات تأييد تبلغ نحو 50% بين الشعب الارجنتينى.
وانخفضت العملة، التى لا تزال متراجعة بنسبة 15% العام الحالى مقابل الدولار، إلى مستوى قياسى بلغ 22.25 بيزو للدولار الخميس الماضى بعد أن ارتفعت أسعار الاقتراض بمقدار 300 نقطة أساس.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن هذا الاضطراب يعد أولى اختبارات السوق الجادة لأجندة ماكري، الإصلاحية منذ وصوله إلى السلطة قبل عامين ونصف العام، إذ وعد الناخبين بأنه سيجعل الأرجنتين «دولة طبيعية» وتعهد بالحصول على دعم من المستثمرين ومعظم الارجنتينيين.
وقفز معدل الاقتراض الرسمى فى الأرجنتين اﻷسبوع الماضى من 27.25% إلى 40%، إذ سعى البنك المركزى إلى تعزيز قيمة البيزو بعد أن أنفق بالفعل 5 مليارات دولار من احتياطيات العملات الأجنبية.
وأعلن وزير الخزانة الأرجنتينى نيكولاس دوجوفني، أنه سيزيد من هدفه لخفض العجز المالى الأساسى من 3.2% من الناتج المحلى الإجمالى إلى 2.7% العام الحالي.
وأضاف أن التقارب نحو التوازن المالى غير قابل للتفاوض متعهداً بعدم الاستجابة «للضغوط الشعبوية» فى مساعى الحكومة لتقليل العجز المالى الكبير والذى تسعى لتمويله من خلال الاقتراض الأجنبي.
وأشار لويس كابوتو، وزير المالية، إلى أن خفض العجز يعنى أن الحكومة سوف تحتاج إلى اقتراض ثلاثة مليارات دولار العام الجارى على الأقل وهذا يعنى أن حوالى 85% من احتياجات التمويل فى الأرجنتين لعام 2018 قد تمت تغطيتها بالفعل مقارنة بنسبة 75% فى وقت سابق.
ومع تعافى البيزو، يوم الجمعة الماضية كان الدولار الأمريكى أكثر ثباتًا فى سوق العملات الواسع بعد أن أظهرت بيانات الوظائف الشهرية فى الولايات المتحدة انخفاضًا فى معدل البطالة إلى 3.9%.
وذكرت «فاينانشيال تايمز»، أن الأرجنتين فى طليعة عدد من الدول الناشئة التى تعانى عملتها من ضغوط بيع حادة وهروب رأس المال بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وقوة الدولار.
وأوضح جاى ليباس، كبير الخبراء الاستراتيجيين فى الدخل الثابت فى شركة «جانى كابيتال» لإدارة الأصول، أنه فى أى وقت تقوم فيه أى دولة برفع أسعار الفائدة بنسبة 12% فى أسبوع واحد للدفاع عن العملة فإنها تكون تجاوزت مرحلة الأزمة.
وذكرت الصحيفة أن قوة الدولار تجعل الأسواق الناشئة من فئات الأصول التى تبدو ضعيفة أمام عملية إعادة تقييم أوسع من قبل المستثمرين الذين تدفقوا فى السنوات الأخيرة والذين اجتذبتهم العائدات الأعلى.
وعانت صناديق السندات فى الأسواق الناشئة من التدفقات الخارجة بأعلى مستوى منذ عام 2016، إذ آثار ارتفاع الدولار الأمريكى المخاوف بشأن قدرة الشركات على سداد الديون المقومة بالدولار.
وتظهر بيانات «إى بى إف آر»، للاستشارات العالمية أن المستثمرين سحبوا 129 مليون دولار من الأموال التى ركزت على أسهم أمريكا اللاتينية فى الأسبوع الماضى وهو الأسبوع الثانى على التوالى من التدفقات الخارجة.