بقلم: إسوار براساد، أستاذ السياسة التجارية فى جامعة «كورنيل»، وزميل فى معهد «بروكينجز»
يحكم الدولار عالم التمويل العالمى بلا منازع، ويأخذ نصيب الأسد من المعاملات المالية الدولية، وهو عملة الملاذ الآمن النهائية، ولكن هيمنة العملة الأمريكية لا ينبغى اعتبارها أمراً مُسَلَّماً به، فالرئيس، دونالد ترامب، قد يكون يزرع بذور نهايتها.
وطالب ترامب مراراً بإضعاف قيمة الدولار، والسبب على ما يبدو هو مكافحة الدول الأخرى التى يدّعى أنها تستغل الولايات المتحدة على نحو غير عادل من خلال إضعاف عملاتها لتعزيز الصادرات، ومع ذلك، فالكلام سهل، ومثل هذه التصريحات بالكاد ستضعف الدولار، وإنما الضرر الحقيقى الذى سيلحق بوضع العملة الحضراء سيكون تدريجياً، ويأتى من السياسات التى تأكل الاستقرار المالى الأمريكى، وموثوقية وقوة مؤسساتها.
وفى أوقات الأزمات المالية، بما فى ذلك الأزمة المالية العالمية التى نشأت فى الولايات المتحدة – تدفق المستثمرون الفزعون إلى أسواق السندات الأمريكية، ولا شك أن الحجم الكبير لأسواق سندات الحكومة والشركات الأمريكية كان عاملاً رئيسياً، ولكنَّ هناك شيئاً أكثر دقة وأهمية يفسر مكانة الدولار.
ويتعلق هذا الأمر بالثقة، وتظهر التدفقات من وإلى أسواق العملات والأسهم؛ حيث يتخذ الناس قرارات مالية لها عواقب، إلى أى مدى الثقة مهمة حتى فى صناعة القرارات التى تبدو باردة القلب ومنزوعة العاطفة.
وتعمل المؤسسات، التى تعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب وتحافظ عليها، فى بيئة حكومية ديمقراطية مفتوحة وشفافة وتخضع للمساءلة، وهذا يعززه بنك مركزى حر من أى تدخل سياسى وهيئة قضاء مستقلة تدير سيادة القانون.
والثقة فى المؤسسات الأمريكية هى سبب بقاء الدولار قوياً، رغم التوقعات بارتفاع مستويات الديون الحكومية وعدم اليقين الاقتصادى الذى أطلقه ترامب، وبالتالى فإنَّ هذه القوة قد تضعف، وفى الوقت الحاضر، تتم معظم المعاملات والتسويات المالية الدولية بالدولار وفى كثير من الأحيان من خلال المؤسسات الأمريكية، وهذا سوف يتغير سريعاً إذا اعتقد المستثمرون أن السياسات المالية المتهورة سوف تزيد التقلبات وتأكل من قيمة الدولار.
وبالفعل، تقلص دور الدولار فى تسوية المعاملات عبر الحدود نتيجة التكلفة المنخفضة للتعامل بعملات أخرى وظهور عملات الأسواق الناشئة مثل الرنيمبى الصينى، وتتاجر الصين وكوريا الجنوبية مع بعضهما البعض باستخدام عملتيهما بدلاً من الاعتماد على الدولار كعملة أساسية، كما بدأ يضعف منطق تقويم كل عقود البترول والسلع الأخرى بالدولار.
وهناك قوى أخرى تعمل لإضعاف الدولار، فبقيادة ترامب، ينظر إلى الولايات المتحدة بشكل متزايد على أنها شريك لا يعتمد عليه فى التجارة والتعاون العسكرى وغيرهما من الاتفاقات، وهو ما دمر مصداقيتها الدولية، وأثار المخاوف من أن ترامب قد يستغل الدولار كسلاح للسيطرة على دول أخرى، ونتيجة ذلك، تقوم روسيا والصين، ودول أخرى، بإنشاء أنظمة وقنوات مدفوعات خاصة بها تتجاهل الولايات المتحدة.
وحتى فى حالة ضعف مكانة الدولار كوسيلة مهيمنة للتبادل، فربما يبقى لا مثيل له كملاذ آمن، ولم يظهر المستثمرون الأجانب، بمن فيهم البنوك المركزية، أى علامات على التخلى عن أصولهم الدولارية.
وصمدت المؤسسات الأمريكية بالتأكيد أمام اختبارات الزمن، ولكن التسليم بذلك تماماً قد يكون مكلفاً، وعندما كان يخضع النظام السياسى الأمريكى إلى ضغوط حادة فى الماضى، كانت حرية الصحافة المدعومة بفضاء مستقل تعمل كآلية تصحيح، وحالياً تتعرض كل هذه المؤسسات للهجوم من قبل ترامب المحرض من الكونجرس ذى الأغلبية الجمهورية.
ولا تعتمد هيمنة الدولار على القوى الاقتصادية والعسكرية لأمريكا فحسب، ولكن أيضاً على استمرارية وقوة مؤسساتها، وهى نفسها المؤسسات التى تعمل حكومة ترامب على إضعافها، وهو أمر قد يندم عليه حتى أشد المؤيدين له فى يوم من الأيام.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»