ذكرت فى مقالة سابقة لى بعنوان «اليوان البترولى والدولار الأمريكى… حرب العملات إلى أين؟؟» بتاريخ التاسع والعشرين من أغُسطس هذا العام أسباب زيادة سعر الفائدة التى نشهدها اليوم من الفيدرالى الأمريكي، وعن الحرب التى فى الأساس هى صراع البقاء للأقوى بين الصين وأمريكا، حيث بدا هذا واضحاً فى سلوك المستثمرين عالمياً لما وجدوه من قوة ظهرت فى مؤشرات الاقتصاد الصينى بداية هذا الصراع؛ حتى قابل الفيدرالى الأمريكى هذا النفور برفع سعر الفائدة، ومن المتوقع أن يستمر فى زيادة أسعار الفائدة الفترة المقبلة، كمحاولة لإعادة الثقة العالمية فى اقتصاده وزيادة الطلب على عُملته؛ بالطبع من الصعب على أمريكا اتخاذ قرار رفع الفائدة لتأثيره السلبى عليها أولاً، مثل التأثير السلبى على القيمة السوقية للسندات المطروحة من قِبَلِهَا.
عندما تأتى الرياح يتأثر الجميع
إنّ الأزمات المالية العالمية، تَصبح عالمية، حين يكون سُقوط اقتصاد دولة مُؤثراً على اقتصاد دول كثيرة أخرى، فيسقط فى البداية اقتصاد دولة عظمى ومن ثم مجموعة الدول التى يرتبط اقتصادها بها بشكل كبير، ثم يسقُط تباعاً اقتصاد الدول الصغيرة التابعة لها. ولذلك يمكن للاقتصاديين التنبؤ بالأزمات العالمية عندما يدركون سقوط دولة عظمى وعلاقتها باقتصاديات دول العالم الأخرى، حيث يمكننا تخيل هذا الأمر عن طريق مشاهدتنا لسبحة قُطعت، فيكون سقوط أول كرة فيها بمثابة انفراط لباقى الكرات التابعة لها.
العالم قرية صغيرة
عندما تُضّخ رؤوس الأموال فى اقتصاد ما، بالطبع تكون قد سُحبت من اقتصاد آخر؛ لهذا تعانى الأسواق الناشئة من خسارة فى الأسهم والسندات وهبوط عُملاتها، نتيجة توجه رؤوس الأموال التى كانت تستثمر بها إلى أمريكا، لارتفاع الدولار بشكل عام خاصةً بعدما أعلن الفيدرالى الأمريكى بشكل رسمى عن نيته فى زيادة معدل الفائدة للمرة الثالثة خلال الشهور القليلة الفائتة، مما زاد من سحب سيولة كبيرة من هذه الأسواق، وعلى غرار الأزمة العالمية أغسطس 2008، تم سحب رؤوس الأموال من أكبر الاقتصاديات الناشئة، حيث طبقا لـ«بلومبرج» تَمّ سحب 19 مليار دولار من إندونيسيا والفلبين وكوريا الشمالية وتايوان وتايلاند خلال العام 2018، ولذلك شاهدنا هذا التأثُر السلبى فى قرار البنك المركزى الأرجنتينى الذى رفَع سعر الفائدة من %27.25 الى %40 فى غُضون أسبوع واحد على عُملته المحلية (البيسو)؛ كردة فعل لجذب رؤوس الأموال مرة أخرى إليه بعدما سُحبت من السوق الأرجنتينى لاستثمارها فى الأسواق الأمريكية. ليست الأرجنتين فقط التى حاولت مقاومة التأثُر السلبى الناتج عن السياسات النقدية الأمريكية، بل أيضاً الهند وإندونيسيا وتركيا وباكستان والفلبين؛ بينما قرّر البنك المركزى البرازيلى أن يبيع مشتقات مقايضة صرف العملة (foreign exchange swap contracts) كمحاولة لفرض الاستقرار فى أسواقه.
هذه الحالة من عدم الاستقرار التى تَحدثنا عنها سابقاً، بدأت تؤثر بقوة فى معدلات النمو الاقتصادى لدول الاقتصاد الناشئ والخليج، فأنا لم أتحدث عن صراع القوة القائم اليوم بين دول الخليج مما يصب فى مصلحة أمريكا، فالأزمة هى أن هذهِ الدول هى المُستهلك الأساسى والمُساعد الأول للدول المتقدمة وأخُص أمريكا.. حقيقة الأمر، إنّ هذهِ الحلقة المُفرغة تُذكرُنى بما حدث فى بداية الأزمة المالية العالمية أغسطس 2008 وما سَبقها من مسكنات عطلت وجعلت حالة السُقوط أكثر قوة من التى كنا نتوقعها.. حين تعطس أمريكا، يصاب العالم بالبرد… ربنا يستر!
بقلم: أحمد عز
محلل مالى واقتصادى