بقلم: تايلر كوين
بروفيسور الاقتصاد فى جامعة جورج ميسن
هناك تساؤل يدور حول ما إذا كانت إثيوبيا ستصبح حقاً «الصين الأفريقية»، وغالباً ما يأتى هذا السؤال فى سياق اقتصادى، فمن المتوقع أن يصل معدل النمو فى إثيوبيا إلى %8.5 فى العام الجارى، متجاوزاً بذلك نسبة %6.5 المتوقعة للصين، بينما بلغ متوسط نمو الاقتصاد الأثيوبى طوال العقد الماضى 10% تقريباً.
ومع ذلك، وراء هذه الأرقام البراقة، هناك سمة مشتركة منقوصة القيمة، وهى أن كلتا الدولتين تشعران بالأمان حول ماضيهما ولديهما رؤية محددة لمستقبلهما، وكلاهما يعتقدان أنه من المقدر لهما أن تكونا دولتين كبيرتين.
وبالنظر للصين فى المقام اﻷول، فإن الدولة القومية، كما نعرفها اليوم، الموجودة منذ عدة آلاف من السنين مع شكل من أشكال الاستمرارية الأساسية، يتشابه معظم ساكنيها مع الممالك والسلالات التاريخية التى يدرسونها فى المدرسة، وهناك ضريح الفيلسوف كونفوشيوس فى مدينة تشوفو الذى يعد واحداً من المعالم السياحية الرائدة، حيث يذهب الزوار إلى هناك لإحياء ذكرى أحد مؤسسى الصين الذين يعرفونه.
وتعنى عصور التاريخ القديم هذه أن الصين فى موقع جيد لبناء دولة قومية حديثة وفعالة بشكل سريع، بمجرد أن عزز تقديم إصلاحات ما بعد ماو إجمالى الناتج المحلى، فقد أدى ذلك إلى مكاسب سريعة فى البنية التحتية والتعليم ومهد الطريق أمام الصين لتصبح واحدة من أكبر اقتصاديين فى العالم.
وطوال مسيرتها، تمسكت الصين برؤية قوية تفيد بأنها تستحق أن تكون أمة عظيمة مرة أخرى.
أما فيما يخص أثيوبيا، فهى أيضاً كانت دولة قومية متطورة نسبيا فى وقت مبكر جداً، حيث يرجع تاريخ مملكة أكسوم إلى القرن الأول الميلادى.
ومارست الأنظمة المتتالية عبر العصور الوسطى وما بعدها قدراً كبيراً من القوة، والأهم من ذلك أن الإثيوبيين اليوم يرون أن بلادهم تعد امتداداً مباشراً لهذه الوحدات السياسية السابقة، كما أن بعض الإثيوبيين المؤثرين سيدعون لتتبع سلالتهم إلى أن يصلوا إلى الملك سليمان من العصور التوراتية.
وبعبارة أخرى، فإن عملية الحكم المنظم على الصعيد الوطنى تجرى منذ فترة طويلة، فهذه القوة النسبية للحكم الإثيوبى هى التى سمحت للأراضى بالتصدى للاستعمار وهو إنجاز نادر، ولهذا السبب أيضا، لا تتغير الكثير من المأكولات اﻷساسية كثيرا عند السفر فى جميع أنحاء البلاد، فأطباق الطعام تعتبر وطنية وليست إقليمية.
وبالتالى لا غرابة فى تمكن الحكومة اﻷثيوبية من الارتقاء إلى مستوى الحدث بمجرد تخلى البلاد عن أيديولوجيتها الشيوعية فى السبعينيات، ووضع بعض الإصلاحات الأساسية، فقد أصبحت البنية التحتية جيدة بشكل ملحوظ وفقا للمعايير الإقليمية وباتت الحكومة الإثيوبية تعرف باتباعها سياسة صناعية ناجحة نسبياً.
ويتم تشغيل الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة كعمل مسئول، فهى أصبحت قوة جوية كبيرة وذات معايير خدمة عالية.
ويمتلك الأثيوبيون مستوى ملحوظاً من الحماس تجاه بلادهم وثقافتهم، فربما يكون هذا اﻷمر مألوفاً فى بلد ينمو بسرعة، ولكن من المدهش كيفية امتلاك هذه المشاعر لجذور تاريخية، فالإثيوبيين يدركون تماماً نجاحاتهم السابقة، بما فى ذلك دورهم فى تاريخ الكتاب المقدس.
ومثل العديد من الصينيين، يعتبر الإثيوبيون أنفسهم حضارة وليس مجرد بلد، فهم يفصلون أنفسهم بوعى عن الخطوط اﻷوسع نطاقا للتاريخ والثقافة الأفريقية، وكما هو الحال فى الصين، فهم يعتقدون بشكل أيديولوجى أن بلادهم مقدر لها أن تكون عظيمة مرة أخرى.
وتتداخل الصين وأثيوبيا بطريقة أخرى، وذلك من خلال مساعدة الصينيين فى بناء المكان، فهناك مبانٍٍ سكنية جديدة وحديثة منتشرة فى جميع أنحاء أديس أبابا، بناها الصينيون، وهناك أيضاً نظام سكك حديدية فى العاصمة الإثيوبية يبدو جميلاً فى أى بلد، وسدود مذهلة للطاقة الكهرومائية وخط سكة حديدية عالية السرعة تصل إلى جيبوتى والساحل.
وربما يساعد فخر الإثيوبيين بتاريخهم والتحرر من الاستعمار فى تفسير السبب وراء قبول البلاد لهذا القدر الكبير لمشاركة الصين فى البنية التحتية مع قلة الأدلة على الاضطرابات التى تعانى منها بعض الأجزاء الأخرى من أفريقيا، ولكن الافتراض الحدسى الأساسى فى إثيوبيا هو أن الأجانب قد يحاولون التدخل ولكن الحكومة لن تفقد السيطرة.
وليتضح اﻷمر، إثيوبيا ليست دولة قومية كاملة، فهناك نزاعات متفشية مع إريتريا فى الشمال، حيث يشعر الكثير من الإثيوبيين بانتماء هذا المكان إليهم، كما أن الأجزاء الجنوبية والكثير من اﻷجزاء القبلية فى البلاد لا يتم دمجها بشكل جيد دائما مع المراكز التجارية الرئيسية التى يحكمها سكان المرتفعات، وهناك أيضا اشتباكات مع شعب أوروميا والمناطق الصومالية فى الشرق، وبالتالى، ونظرا لهذه الأسباب، لم يُعثر على روح التفاؤل الوطنى، التى وجدت عند الأجزاء الأكثر تطوراً فى البلاد، فى كل مكان.
ومع ذلك، إذا كنت تبحث عن مكان خاص فى أفريقيا، فقد تكون إثيوبيا هى الرهان اﻷفضل بالنسبة لك، ولكن لفهم نجاحها الأخير، عليك تجاوز السياسة، فهى مسألة تتعلق بتاريخها وثقتها وقبل كل شىء أفكارها.
إعداد: منى عوض
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج