بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لمجموعة «أليانز»
تمكنت الأسواق المالية لوقت طويل من تجاهل أثار تطورات الأحداث السياسية والجيوسياسية، والآن تبدو أكثر حساسية بكثير تجاه الاضطرابات التى يمكن أن تحدثها هذه الأحداث للنمو ولأرباح الشركات، ولسبب وجيه وهو أن التهديدات تنتشر والحصون أمامها تبدو أضعف.
وإذا لم تتحول إمكانية نشوب حرب تجارية كاملة إلى فرصة لإصلاح العيوب المترسخة منذ وقت طويل فى النظام العالمى، فتوجد خطورة بأن تتهدم الدفاعات التى صمدت خلال السنوات الأخيرة فى العالم المالى، بل والأكثر خطورة، فى الواقع الاقتصادى.
وشهدت أسواق الأسهم حول العالم موجة بيع يوم الاثنين الماضى بما فى ذلك خسائر تقل قليلاً عن %1.5 لمؤشرى «ستاندر آند بورز 500»، و«داو جونز» الصناعى، بينما هبط «ناسداك» بنسبة %2.1، وجاءت موجة الهبوط تلك كردة فعل للإشارات التى ظهرت خلال نهاية الأسبوع عن أن حكومة ترامب ستفكر فى قيود على استثمارات الشركات الصينية فى قطاع التكنولوجيا الأمريكى، وبشكل عام أكثر، سوف تزيد الحكومة التدقيق على الصادرات التكنولوجية.
ويأتى هذا الموقف المتشدد من الحكومة الأمريكية بعد فترة من تزايد التوترات التى دفعت الصين وأوروبا لاتخاذ خطوات انتقامية تستهدف احتواء وعكس آثار التعريفات المفروضة من قبل الولايات المتحدة، وبدلاً من ردعها، أدت الإجراءات الانتقامية إلى زيادة احتمالات جولة أخرى من التدابير الحمائية الأمريكية.
وتوجد 3 عوامل تفسر الحساسية الأعلى للأسهم والأصول الخطيرة الأخرى بعد فترة مطولة غضت فيها الأسواق المالية بثقة الطرف عن العوامل السياسية والجيوسياسية.
الأول، لايزال الكثيرون يعتقدون أن الحرب التجارية العالمية المباشرة يمكن تجنبها وأن التورترات الحالية ستكون جزء من عملية التفاوض التى سينتج عنها تجارة أكثر عدلاً، بما فى ذلك الضمانات ضد سرقة الملكية الفكرية، وتحديث الاتفاقات التجارية، وتقليل الحواجز التجارية بخلاف التعريفات.
ولكن، ازداد عدم اليقين ومخاطر نشوب حرب بلا شك، وهذه المخاوف تتفاقم بسبب انتشار الخطاب الحمائى والذى يستهدف حالياً التدفقات الاستثمارية عبر الحدود بجانب التجارة.
الثانى، لم تعد الأسواق ترتاح لفكرة التحسن المتزامن للنمو العالمى وتوجد أسباب جيدة لنكون أكثر حذراً وقلقاً، ومع الاستثناء الملحوظ للولايات المتحدة، بدأ زخم النمو يضعف وليس فقط فى أوروبا، حيث تقع جميع مؤشرات النمو سواء البيانات أو الاستطلاعات تحت ضغط، وفى الصين، أعلن البنك المركزى الصينى خلال نهاية الأسبوع الماضى تخفيف الاحتياطى الإلزامى للبنوك بهدف تعزيز النشاط الاقتصادى المحلى.
والثالث، بالنظر إلى تدابير تشديد السياسة النقدية من قبل الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، والغياب الأخير للتصريحات المطمئنة والقامعة للتقلبات من قبل البنوك المركزية ذات الأهمية النظامية، أدرك المستثمرون أن أسعار الأصول المالية لا يمكنها بعد الآن الاعتماد على نفس الداعمين ومقدمى السيولة وقامعى التقلبات «البنوك المركزية» بما فى ذلك خلال نوبات التقلبات العالية، وهذا يضعف الاتجاه الذى كان قوياً وداعماً للاستقرار وهو «الشراء فى وقت التقلبات وموجات البيع»، وهو ما يفتح احتمالات التقلبات التقنية الحادة خاصة فى أجزاء السوق التى تعانى من اختلالات هيكلية مثل الأسواق الناشئة.
وحتى الآن، اقتصرت معظم الاضطرابات التى تسببت فيها القرارات والخطاب الحمائى على المتغيرات المالية ولم تقترب من المتغيرات الاقتصادية، كما أن الاضطرابات أقل حدة بكثير، مما إذا قرر السوق الاستعداد بالكامل للاحتمالية العالية لنشوب حرب تجارية واستثمارية عالمية.
وحتى الآن، تم احتواء التقلبات نتيجة المعتقد بأن صناعة السياسة العقلانية والقائمة على معلومات كافية من قبل البنوك المركزية حول العالم سوف تتغلب فى النهاية على بديل من شأنه أن يخدم مجموعة تعد على الأصابع من القطاعات داخل الدول ولكن سينتج عنه نتائج أسوأ فيما يخص رفاهية ورخاء الجميع.
فدعونا نأمل أن يكون هذا المعتقد أكثر من مجرد أمنيات مرغوبة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»