«واشنطن» تلجأ إلى «الرياض» لتعزيز حربها الاقتصادية على «طهران»
العالم يراقب موقف الهند والصين وشكوك حول قدرة الرياض طويلة الأجل
فى الوقت الذى تدفع فيه الولايات المتحدة حلفائها لوقف جميع مشترياتهم من البترول الخام الإيرانى بحلول نوفمبر المقبل، يعتمد البيت الأبيض على السعودية، المنافس الإقليمى الرئيسى لطهران فى الشرق الأوسط، للحفاظ على توازن السوق قبل انتخابات منتصف الولاية الرئاسية فى الولايات المتحدة، حيث دعا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الدول الشرق أوسطية للعمل فى الخطوط الأمامية لحربه الاقتصادية ضد إيران.
كتبت – منى عوض:
ومع ذلك، يدرس بعض مشترى الإمدادات الإيرانية الموافقة على مطالب ترامب، فهناك شركتى «فوجى» اليابانية للبترول و«فورموزا بتروكيميكال» التايوانية، وهما لاتزالان تدرسان فكرة إنهاء استيرادهما من عضو منظمة الدول المصدرة للبترول «اﻷوبك»، وعلقت كوريا الجنوبية بعض مستودعاتها بالفعل، بينما تجرب شركة بترول الإمارات الوطنية بدائل للبضائع من الجمهورية الإسلامية.
وترغب الولايات المتحدة فى أن ينهى الحلفاء جميع الواردات من البترول الإيرانى بحلول الرابع من نوفمبر المقبل، كما أنها لم تقدم أى تمديد أو تنازل لذلك الإطار الزمنى، نظراً لكونها تستهدف شريان الحياة الاقتصادية لطهران من خلال فرض عقوبات على برنامجها النووى، كما أنها تعزز التكهنات بأن النقص العالمى سيتفاقم، مما يرفع الأسعار.
وقالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إنه من المرجح أن تستبدل شركة «فوجى» شحناتها بشحنات أخرى من السعودية وقطر والإمارات، بينما قد تختار شركة «فورموزا» البترول الخام السعودى والعراقى.
وقال لين كيه يين، المتحدث باسم فورموزا: «نحن نستعد لكافة السيناريوهات المختلفة، ومن بينها السيناريو اﻷسوأ وهو الحظر الكامل للوارادات الإيرانية، خاصة أن واردات البترول الخام الإيرانى تستحوذ على نسبة صغيرة من إجمالى مشتريات فورموزا، وبالتالى فإن أى خسارة فى البترول الإيرانى يمكن استبدالها بدرجات أخرى من السوق الحاضر».
ومن المتوقع أن يساعد هذا الأمر السعودية على استعادة حصتها فى السوق فى آسيا التى تقلصت بعد أن بدأت «أوبك» خفض الإنتاج نهاية العام الماضى للحد من وفرة النفط العالمية، ولكن الآن يقال إن الدولة الشرق أوسطية تخطط لضخ كميات قياسية للوفاء بتعهدها بسد أى فجوة فى الإمدادات.
ومع ذلك، ربما تتسبب تلك التعهدات التى أقرتها السعودية فى إضعاف طاقتها الاحتياطية فى وقت تتأقلم فيه سوق البترول بالفعل مع انهيار صناعة النفط فى فنزويلا والاضطرابات فى ليبيا.
وقالت أمريتا سين، كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى شركة الجوانب الاستشارية للطاقة فى مدينة لندن، «إذا خفض حلفاء الولايات المتحدة وارداتهم من إيران إلى الصفر، وإذا خفضت أيضا الهند والصين وارداتها، فقد يفقد سوق البترول ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً من البترول الإيرانى، وهذا أبعد بكثير مما توقعه أى شخص قبل أسبوع فقط».
ولن يعوض قرار منظمة «اﻷوبك» وحلفائها بتعزيز الإنتاج بمقدار مليون برميل فى اليوم هذا النقص، ومع الأخذ بعين الاعتبار خسائر الإمدادات من ليبيا وفنزويلا، فإن سوق البترول ينظر إلى عجز فى النصف الثانى من العام الجارى، وذلك بحسب ما قاله هارى تشيلينجوريان، كبير المحللين الاستراتيجين فى مجال البترول لدى مجموعة «بى.إن.بى باريبا» البنكية.
ومن الواضح أن السعودية تعتزم محاولة سد هذه الفجوة، فقد أشارت البلاد قبل بضعة أيام إلى اعتزامها رفع الإنتاج إلى مستوى قياسى يبلغ 10.8 مليون برميل يومياً فى يوليو المقبل، وذلك بعد ضغوط من واشنطن لزيادة الإنتاج وحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار.
وفى غضون ذلك، قال أمين ناصر، الرئيس التنفيذى لشركة «أرامكو» السعودية، إن الشركة تستطيع إنتاج ما يصل إلى 12 مليون برميل فى اليوم.
وأوضحت الوكالة اﻷمريكية أن ضخ البترول بأقصى سعة ممكنة لن يكون أمراً مستداماً بالنسبة للسعودية، مما يترك الولايات المتحدة تعتمد على المنتجين الرئيسيين الآخرين أو على احتياطى البترول الخاص بها، للحفاظ على توازن السوق.
وقال تاكاكى سوبو، المتحدث باسم شركة «فوجى» للبترول، إن الشركة ستحدد موقفها بشأن المشتريات الإيرانية بعد إجراء مناقشات مع الحكومة ومصافى تكرير البترول اليابانية الأخرى، بينما قال أشخاص، على دراية بالموضوع ولكنهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، إن شركة «فورموزا» ستتخذ قراراً نهائياً بعد الاجتماع مع المسؤولين التنفيذيين لمصافى تكرير البترول ومسؤولى الحكومة التايوانية فى الأسابيع المقبلة.
وتعتزم شركة «جيه.إكس.تى.جى» القابضة، أكبر شركة تكرير للبترول فى اليابان، اتباع توجيهات حكومتها بشأن العقوبات، وحتى وإذا اضطرت الشركة لإنهاء عمليات الشراء من إيران، فإنها ستضمن الحصول على إمدادات مستقرة من مصادر أخرى، بما فى ذلك الشرق الأوسط وغرب إفريقيا وربما الولايات المتحدة.
وأشارت الوكالة اﻷمريكية إلى أن الكثيرين سيعتمدون على ما ستقوم به الصين والهند، أكبر مستهلكين للبترول الإيرانى، رغم أنه من غير الواضح بعد ما إذا كان أياً منهما قد اتخذ قراراً حتى الآن، ففى الوقت الذى أجرت فيه بكين محادثات استراتيجية مع السعودية، إلا أنها لم تكشف عما إذا كانت ستحد من حجم وارداتها فى ضوء العقوبات الأمريكية المتجددة، رغم استمرارية شراء الدول الآسيوية من إيران فى ضوء الانتقادات اﻷمريكية والقيود القائمة فى وقت سابق من العقد الزمنى الجارى.
وفى الوقت نفسه، تخطط الهند للحصول على بعض الإعفاءات لمواصلة استيراد النفط الإيرانى، كما أنها تبحث عن آليات بديلة للدفع، وذلك بحسب ما قاله مسؤولان حكوميان فى وقت سابق من يونيو الجارى، طالبين عدم الكشف عن هويتهما نظراً للسياسة الداخلية.