افتتاحية وكالة أنباء «بلومبرج»
بعد شهور من المحاولات الزائفة والصاخبة والمتفككة للتوصل إلى حل وسط، مهدت الحرب التجارية الصورية بين الولايات المتحدة والصين، الطريق إلى أمر حقيقى، ولصالح كلتا الدولتين، إذ ينبغى أن تتوقف الدولتان عن هذه العداءات التى سترتد عليهما.
وتقع المسئولية الأساسية فى ذلك على الولايات المتحدة التى اطلقت الرصاصة الأولى.
وستضر التعريفات الجديدة التى تم فرضها، الجمعة الماضية، بالمستهلكين والشركات فى كلتا الدولتين.
وتتضمن التعريفات، 25% ضريبة على بضائع مبدئية بقيمة 34 مليار دولار، وهناك بضائع بقيمة 16 مليار دولار أخرى مستهدفة، وستؤدى التعريفات الأمريكية إلى رفع الأسعار فى الموطن، وتعاقب الشركات الأمريكية التى تستورد البضائع الوسيطة مثل أشباه الموصلات والبلاستيك، وبنفس الطريقة، ستضر التعريفات الانتقامية التى توعدت بها الصين بالمشترين الصينيين وكذلك بالمزارعين والعمالة الأمريكية.
وهذا فقط ما يتعلق بالضرر الفورى، أما المخاوف الأكبر بكثير، فهى التداعيات طويلة الأجل لقواعد التجارة العالمية ومؤسساتها.
وكان ترامب قد هدد بانسحاب أمريكا من منظمة التجارة العالمية، وفى كل الأحوال، تعد التعريفات التى فرضها انتهاكاً لروح وربما لخطاب التعهدات الذى أعدته الولايات المتحدة باعتبارها عضواً فى المنظمة، وهو ما يدمر الاستقرار الذى سمح للشركات متعددة الجنسيات ببناء سلاسل توريد عالمية ذات كفاءة.
وستؤدى التعريفات الأمريكية الجديدة، إلى دفع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، نحو السعى وراء اتفاقات تجارية جديدة دون الولايات المتحدة، وهذا ما بدأ يحدث بالفعل، إذ أعادت اليابان إحياء اتفاقية «الشراكة عبر الهادى» بعدما رفضها ترامب.
وتتفاوض الصين والاتحاد الأوروبى على كيفية تحديث قواعد التجارة العالمية، واكتسبت محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة – وهى اتفاقية تجارية تتضمن 16 أمة آسيوية – زخماً جديداً، ووقوف أمريكا جانبا، فى حين أن تطور أنظمة التجارة العالمية لن يخدم مصالحها بشىء.
وتعد الصين أيضاَ قصيرة النظر بنفس القدر، فطموحها لرعاية قطاعات عالية التكنولوجيا يثير الإعجاب حقا، ولكن طرقها ليست حكيمة، وفى بعض الأحيان ليست قانونية، فالدعم الضخم للقطاعات المحلية ينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية على أقل تقدير، كما أنه بلا جدوى لأن حماية القطاعات الرئيسية سيدمر تنافسية الصين ويثير الردود الانتقامية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، ويعيق محاولات الشركات الصينية لكسب الخبرة والوصول إلى التكنولوجيات المتقدمة.
وتحتاج الحكومة الصينية بقدر نظيرتها الأمريكية، إلى أن تتوقف وتفكر فى مضايقاتها للشركات الأجنبية وكسر وعودها بشأن الإصلاح وتحرير الاقتصاد، تسببت فى تآكل الدعم الذى برعت فيه الدولة فى يوم من الأيام، فى مجتمع الأعمال الغربى.
وربما لا يحمل قادة الصين الحاجة للفوز فى الانتخابات، بقدر الرؤساء الأمريكيين، وربما يكونوا محقين فى أنهم قادرون على تحمل الألم أكثر مما يستطيع ترامب، ولكن تآكل النظام الاقتصادى العالمى سيضر بالاقتصاد الصينى بقدر أى اقتصاد آخر وربما بقدر أكبر.
وفى الواقع، ستؤدى «التنازلات» الصينية فيما يخص دخول سوقها وحماية الملكية الفكرية، إلى خدمة المصالح طويلة الأجل للدولة.
ومع ذلك، لا يجب أن نغفل أن ترامب هو من بدأ هذا العراك، ومهمة انهائه تقع بقدر كبير على عاتقه، كما أن معظم معتقداته التى تنبع منها شكواه من الصين (خاصة الفكرة المتعلقة بأن الاختلالات التجارية ثنائية الجانب هى دليل على وجود مخالفات) هى فى الواقع هراء فارغ، ويتمثل المسار الصحيح فى التعبير عن الشكاوى التجارية من خلال قنوات مثل منظمة التجارة العالمية التى صممتها الولايات المتحدة لهذا الغرض.
وبجانب ذلك، عليه أن يسعى وراء تنازلات ضئيلة يمكنه أن يطلق عليها انتصاراً لحل الخلاف الجارى مع الصين، كما عليه أن يتراجع فى أقرب وقت ممكن.
وتسير الولايات المتحدة والصين على طريق سيؤدى إلى دمار اقتصادى خطير، وربما أسوأ من ذلك.. ويجب أن تتوقفان الآن.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج».