بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لمجموعة «أليانز»
انقسمت الأسواق، الأسبوع الماضى، بين وجهتى نظر بشأن تأثير التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، فمن ناحية، اعتقد البعض، أنَّ التعريفات والتعريفات الانتقامية المتزايدة سوف تمس فقط جزءاً صغيراً من اقتصاد الدولتين.
ومن ناحية أخرى، يرى البعض، أنَّ كل تصعيد يزيد من احتمالات سيناريو نشوب حرب تجارية كاملة، سواء عن عمد أو غير عمد، وهو ما سوف يدمر أرباح الشركات والنمو بشكل عام.
وتوجد احتمالية ثالثة بالنسبة للتجارة الدولية والتى لم تلفت انتباه الأسواق حتى الآن، وهى «لحظة ريجان» التى رغم أن جوانبها المظلمة أكثر احتمالية، فإنَّ جوانبها المشرقة تذهب إلى ما وراء تبديل النظام القائم من خلال تغيير المشهد الاقتصادى العالمى الكلى بطريقة تحابى الولايات المتحدة من حيث القيم النسبية والمطلقة.
والقيام بتوقعات قوية بشأن احتمالات تحقق أى من هذه السيناريوهات الثلاثة صعب، وتعتمد الإجابة على أكثر من علوم الاقتصاد والتمويل، كما تلعب السياسة دوراً مهماً، وفيما يلى بعض الرؤى من نظرية اللعب بشأن ما يمكن مراقبته وتوقعه:
الرؤية الأولى، أنَّ اللعب التعاونية بطبيعتها يتم لعبها لعباً غير تعاونى بشكل متزايد: فحكومة ترامب تتخذ نهجاً مدمراً تجاه التجارة والمجالات الأخرى من خلال زلزلة الأمور كوسيلة لإصلاح ما تراه عوامل غير متناسقة تقوض نزاهة النظام التجارى، وتضر بالولايات المتحدة، ومن وجهة نظر نظرية اللعب، أدخلت الولايات المتحدة عنصراً واضحاً «غير تعاونى» للتجارة الدولية التى تقوم على التعاون فى الأساس، ويقلق معظم الاقتصاديين من تداعيات ذلك على الدول الفردية والنظام ككل.
وعادة تخلق الحروب التجارية دافعاً قوياً لحدوث ركود تضخمى، ما يضر بالنمو ويرفع التكاليف والأسعار، وتعقد النزاعات إدارة السياسة محلياً، وتزيد مخاطر عدم الاستقرار المالى، كما أنها تهدد بحدوث شروخ خطيرة فى الهيكل الاقتصادى والمالى الدولى، ويترتب على ذلك عواقب تمتد إلى ما وراء الاقتصاد والتمويل.
وبالنظر إلى كل ذلك، يكمن السؤال اليوم فى ما إذا كانت الجولة الحالية من تصاعد التوترات التجارية ستؤدى إلى نهاية أفضل وهى التجارة الحرة الأكثر نزاهة أم لا؟، وحتى الآن مالت الأسواق للاحتمالية الأكثر إيجابية، رغم أن كل تصعيد يأكل بعضاً من الثقة فى هذه النتيجة.
والثانية أن المزيد من التصعيد هو الاحتمالية الأكبر حتى الآن: لكى تتحول التوترات التجارية إلى نهاية أفضل، ينبغى أن تتغير سلوكيات الدول الفردية بطريقة ملحوظة وموثوقة ومستمرة، وهذا ينطبق بشكل خاص على نهج الصين تجاه الملكية الفكرية والقيود على دخول سوقها، وشروط المشروعات المشتركة لديها، وهى أمور تمثل مصدر نزاع مستمراً مع أمريكا والدول الأخرى، وحتى تظهر علامات على التغير المستمر، فإنَّ استراتيجية أمريكا ستكون على الأغلب مواصلة الضغط على الصين، حتى إذا حمل ذلك مخاطر للجميع.
والثالثة، أن اللعبة ليست متوازنة فى الأصل، سواء بالصدفة أو عن عمد: تلعب أمريكا اليوم لعبة غير تعاونية، وهى فى وضع أفضل للفوز بها من حيث القيم النسبية، ولعدة أسباب، تعد التوترات التجارية أقل ضرراً على أمريكا من الصين، التى لا يزال نموذج نموها يعتمد بقدر كبير على الأسواق الأجنبية، وهذه الميزة النسبية تظهر فى أداء أسواق الأسهم والعملات فى الدولتين، ورغم أن هذه الميزة لن تحمى أمريكا من بعض الضرر، فإنها تعطيها قوة أكبر لمواصلة اللعب.
والرابعة، أن الصين بالأخير ستوافق على الأرجح على بعض المطالب الأمريكية: بالنظر إلى أن اللعبة غير متوازنة، ستكون الاستراتيجية الأقل تكلفة مع الوقت بالنسبة للصين هى محاولة العودة إلى النهج التعاونى فى التجارة، حتى مع تحقيق الدولة بعض النجاحات، حالياً، فى الاتفاقات الإقليمية، وهذا لن يكون ممكناً إلا من خلال الاستسلام إلى بعض المطالب الأمريكية، وربما لن يكون ذلك أفضل نتيجة للصين، ولكنه أفضل بكثير من نشوب حرب تجارية كاملة.
والرؤية الخامسة، أنَّ الاتهامات والاتهامات المضادة بين الحكومات تجعل الثقة صعبة: حيث إنَّ استعادة الثقة الأكبر بين الصين والولايات المتحدة هى مفتاح إعادة ترسيخ اللعبة التعاونية المستمرة، وهذا يتطلب اجتماعات مغلقة يتم وضع فيها الاتهامات المتبادلة جانباً، والتركيز على الخطوات الفورية لاستعادة الثقة، وعلى إطار لحل سوء الفهم والتصورات الخاطئة التى حتماً ستظهر، وكلما استؤنفت هذه الاجتماعات فى وقت أقرب وبشكل جدى، انخفضت مخاطر تحول اللعبة غير التعاونية الحالية إلى حرب تجارية عالمية مكلفة للغاية.
والرؤية السادسة، التحالفات تساعد على الوصول للنتائج الإيجابية أسرع: بالنظر إلى أنَّ مظالم أمريكا الحقيقية تجاه الصين يشعر بها دول أخرى، فمن مصلحة الولايات المتحدة بناء تحالفات فى أقرب وقت، ورغم أن التحالفات قد تعقّد المفاوضات الثنائية التى ترغب الولايات المتحدة فى إجرائها مع هذه الدول، فإنَّها تساعد على تسريع فاعلية نهجها تجاه القضية الأكبر وتقليل مخاطر التفكك الاقتصادى العالمى المكلف.
والرؤية الأخيرة، التطبيق أصعب من التخطيط: ستكون الخطوات المتفق عليها صعبة التنفيذ للغاية، فالثقة منخفضة سواء فى السياسة المحلية أو بين الدول، ومن الضرورى فهم ردود أفعال الدول الأخرى بقدر جيد، بالإضافة إلى الانفتاح على تصحيح المسار؛ لأن اللعبة غير التعاونية تصبح غير متوقعة بشكل متزايد، وعلاوة على ذلك، وعلى الجبهة المحلية، تعد القرارات الواضحة والمنسقة والتى تظهر فى الوقت المناسب من قبل البيت الأبيض مفتاحاً للحفاظ على الثقة المطلوبة من الفئات المختلفة من السكان والكونجرس.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»