فى المقالتين السابقتين تناولنا تعريف الاقتصاد غير الرسمى، وحجمه حول العالم مع تقديرات لحجمه فى مصر، ولماذا ينشأ الاقتصاد غير الرسمى مفضلاً العمل فى الظل؟، والتكلفة الخفية التى يتحملها الاقتصاد الرسمى نتيجة وجود اقتصاد مواز، وسوف نستعرض اليوم السياسات المختلفة للتعامل مع ظاهرة الاقتصاد غير الرسمى.
هناك أربع سياسات متاحة أمام صانعى السياسات للتعامل مع الاقتصاد غير الرسمى وهى: ترك الأوضاع كما هى – أى ألا نفعل شيئاً، القضاء على الاقتصاد غير الرسمى، عدم اخضاع الاقتصاد الرسمى للقواعد التنظيمية، ونقل أنشطة القطاع غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمى.
عند تقييم ما يجب القيام به حيال الاقتصاد غير الرسمى، من الضرورى أولاً فهم مزايا وعيوب الاقتصاد غير الرسمى للفئات المهمشة كعاملين فى هذا القطاع.
يعانى العاملون فى القطاع غير الرسمى من عدة مساوئ أهمها عدم القدرة على الحصول على التمويل الائتمانى أو الخدمات المالية، ولا يتمتعون بأى حق من الحقوق العمالية، ويعانون من صعوبة توسيع أنشطتهم التجارية التى لا يمكن الإفصاح عنها علانية، كما قد يواجهون عوائق أكبر فى الالتحاق بوظائف فى القطاع الرسمى بسبب عدم القدرة على توفير مستندات تدعم خبراتهم الوظيفية السابقة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك مزايا يوفرها العمل فى القطاع غير الرسمى، حيث يوفر مصدراً للدخل، ويتميز بالمرونة فى المكان والزمان وكيفية العمل، وهو عامل مهم بشكل خاصة للنساء اللواتى يبقين مسئولات عن رعاية الأطفال.
وبالنظر إلى مزايا وعيوب العمل فى القطاع غير الرسمى للفئات المهمشة، وكما ذكرنا سابقاً، هناك أربعة خيارات يمكن لصانعى السياسات الاختيار بينها بعد دراسة الآثار المترتبة على كل خيار، والتعرف على تبعات اختيار مزيج من هذه النهج السياسية.
السياسة الأولى هى ترك الأوضاع كما هى -أى ألا نفعل شيئاً، الأساس المنطقى لعدم القيام بأى شىء بشأن الاقتصاد غير الرسمى، يرى أنه عندما يكون الاقتصاد غير الرسمى صغيراً نسبياً، قد تكون الفوائد الناتجة عن دمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى قليلة جداً مقارنة بالتكلفة العالية التى سوف تتحملها الحكومة بحيث لا يكون من المجدى بالنسبة للحكومة أن تتدخل، ومن ناحية أخرى، يعتمد العمل فى القطاع غير الرسمى على الاستعانة بالأقارب والأصدقاء والمعارف لأنه من الشائع فى الاقتصاد غير الرسمى أنه يعتمد على مجاملات تمنح للأقارب والأصدقاء والجيران والمعارف مما يعتبر وسيلة رئيسية لتوثيق العلاقات فى المجتمع، وقد يكون من الأجدر ترك الاقتصاد غير الرسمى دون تدخل من الحكومة لأن هذه العلاقات تكون مفيدة مستقبلاً فى بناء مشروعات ريادة الأعمال، لهذه الأسباب قد يعتبر ترك الأوضاع كما هى حلاً مقبولاً قابلاً للتطبيق، لكن المشكلة هى أن اتباع هذا النهج – أى عدم القيام بأى شىء – لا يساهم فى تحسين أوضاع أولئك الذين يعيشون فى مستوى الفقر والفئات المهمشة، بل يؤثر أيضاً بشكل سلبى على الأعمال فى القطاع الرسمى، وعلى المستهلك والحكومة.
بالنسبة للأعمال التجارية المشروعة، فإن الاقتصاد غير الرسمى يمثل مشكلة لأنه يمنح ميزة تنافسية غير عادلة للمؤسسات الرسمية، وبالنسبة للحكومة – حتى لو كان الاختيار هو ترك الأوضاع كما هى دون تدخل- يجب تقدير العواقب مثل التأثير على إيرادات الدولة من الضرائب بجميع أنواعها، كما أن فى حالة اشتغال شريحة كبيرة من المواطنين فى أعمال فى القطاع غير الرسمى، فإنه قد يشجع أيضا على ترويج مواقف أكثر تحاملاً على التقيد باللوائح والقوانين، والنظر بعدم جدية وتراخى للقواعد المنظمة للأنشطة والأعمال فى المجتمع.
باختصار، فإن التأثيرات السلبية لسياسة ترك الأوضاع تعنى أن اتباع نهج عدم التدخل وحده ليس خياراً قابلاً للتطبيق فى كثير من المجتمعات. ومع ذلك، قد يكون مناسباً فى المجتمعات الصغيرة عندما يكون تكلفة دمج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى كبيرة بالمقارنة بالعائد.
وللحديث بقية فى العدد القادم.