بقلم/ نيك بتلر، اﻷستاذ فى كلية كينجز كوليدج فى لندن
وصلت قيمة الاستثمار العالمى فى إمدادات الطاقة إلى 1.6 تريليون دولار عام 2017، بانخفاض طفيف عن 2016، وبالإضافة إلى ذلك تم إنفاق نحو 300 مليار دولار على تحسين كفاءة الطاقة.
كان هذا الانخفاض، الذى أظهرته آخر مراجعة أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة حول اتجاهات الاستثمار، يرجع لحد كبير إلى تخفيض التكاليف فى مجالات، مثل الطاقة الشمسية.
فقد استمر انخفاض تكاليف الألواح، وتطوير النفط الصخرى والغاز، ولهذا السبب كان تراجع الاستثمار فى الثلاثة أعوام الماضية متوقعا وجدير بالترحيب.
وهناك رسالة أساسية يمكن النظر إليها، بدلاً من الإشارة إلى نقص الاستثمار، وهى انخفاض التكلفة الإجمالية لإنتاج الطاقة تدريجياً عاماً بعد آخر، وهو ما يعد استنتاجاً مهماً صادراً عن الوكالة الدولية للطاقة، بجانب استنتاج آخر يتمثل فى التحول الجغرافى، فآسيا أصبحت الآن القوة المحركة للقطاع بأكمله.
وكانت الصين وحدها مسؤولة عن 20% من إجمالى الاستثمارات فى مجال الطاقة، ولكن يبدو أن الشركات الغربية التى تفتخر بكونها عالمية تعانى من فجوة ثقافية عمياء.
فلا تمتلك واحدة منهم مقراً رئيسياً فى آسيا، كما أن شركات النفط الكبرى، مثل «إكسون موبيل» و«شيفرون» و«شل» و«بريتش بتروليم» و«توتال»، لا تمتلك مواطناً صينياً واحداً ضمن مجالس إداراتها، ولا حتى فى لجنة الإدارة التنفيذية، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانوا يستطيعوا حقاً فهم أو الوصول إلى الصين؟
وربما تكون أبرز الحقائق التى تداولتها وثيقة المنظمة الدولية هى الانتشار الجغرافى للاستثمار، ففى عام 2017، شهدت الصين والهند وجنوب شرق آسيا ثلث الاستثمار العالمى المنفق فى إمدادات الطاقة، وكان الاستثمار فى الدول غير اﻷعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية يزيد بنسبة 50% عما كان عليه فى العالم المتقدم، بينما تم إنفاق 15% فقط فى أوروبا.
وبدون الاستثمار الصينى، كانت هذه الأرقام ستبدو مختلفة تماماً، فالصين مسئولة عن معظم الانخفاض فى الاستثمارات فى الفحم وزيادة الاستثمار فى الطاقة الشمسية، فهى تستحوذ على نسبة 45% من الاستثمار فى الطاقة الشمسية.
وتعد الصين المصدر الرئيسى للطلب المتزايد على الطاقة، بجانب الاستثمار فى العرض والإنفاق على الأبحاث فى مجالات مثل تكنولوجيا الشبكات والبطاريات، فهى باتت تتمتع بدور رائد على مستوى العالم فى مجموعة من تقنيات الطاقة، وعواقب تلك الهيمنة الناشئة ستشكل أنماط التجارة العالمية.
وبالنسبة للشركات والمستثمرين الغربيين، يجب أن يثير هذا اﻷمر حالة من عدم الارتياح، فهناك كثير من الثرثرة فى الشركات الكبرى حول التحول فى مجال الطاقة، والذى عادة ما يعنى الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، ولكن هناك انتقال أسرع بعيداً عن عالم متمركز حول المحيط الأطلسى فى القرن الـ 20 إلى المحيطين الهادئ والهندى.
وتعد أنماط الاستثمار مؤشر رئيسى بالنسبة للعالم المقبل، فبيانات وكالة الطاقة الدولية تشير إلى تسارع وتيرة تحول سوق الطاقة إلى آسيا، لتستحوذ بذلك على نصف إجمالى الطلب الكلى على الطاقة فى غضون 25 عاماً، فضلاً عن كونها مصدراً لقدر أكبر من التكنولوجيات الجديدة.
وفى ظل ذلك، سيتم اهمال الشركات غير المؤهلة على الإطلاق لفهم طبيعة اﻷسواق الآسيوية، خصوصاً السوق الصينية، وتعد المراجعة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة مجموعة مذهلة من البيانات، ولكن منهجيتها غير كاملة، فهى تشهد احتساب الاستثمارات فى مشاريع البترول والغاز عاماً بعد عام، فى حين لا يتم حساب الاستثمارات الموجودة فى قطاع الطاقة حتى يتم تشييد المصانع وتشغيلها، ومع ذلك تعطى الاستنتاجات العامة صورة عادلة لما يحدث فى جميع أنحاء القطاع.
إعداد: منى عوض
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»