بقلم: بارى ريثولتز
كاتب مقالات رأى لدى «بلومبرج»، ومؤسس شركة «ريثولتز» لإدارة الثروات
إذا كان هناك شىء لا يمكن أن يستمر للأبد، فسوف يتوقف فى النهاية.. هكذا تحدث الاقتصادى هيربرت شتاين، عندما قال هذه الملاحظة الواضحة ولكن المتبصرة، فالأشجار لا تنمو حتى تصل إلى السماء، والأشياء غير المستدامة ستأتى نهايتها.
وأحدث الأمثلة على أن الأشياء التى لا يمكن أن تستمر إلى الأبد هى التدفقات الداخلة إلى صناديق المؤشرات السلبية منخفضة التكلفة على حساب صناديق الاستثمار مرتفعة التكلفة التى توظف أساليب استثمار نشطة، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»:
“خلال الستة أشهر الأولى من 2018، انخفضت نسبة الأموال المتدفقة إلى صناديق الاستثمار السلبية وصناديق المؤشرات فى الولايات التحدة بنسبة 44%، مقارنة بنفس الفترة العام الماضى”.
وشهد العقد التالى للأزمة المالية أنهياراً من الأموال تتدفق إلى أكثر 3 صناديق استثمار سلبية وهى “فانجارد جروب”، و”بلاك روك”، و”ستايت ستريت كورب”، وتدير هذه الشركات حالياً حوالى 15 تريليون دولار فى صناديق الأسهم وأصول الدخل الثابت، كما أنها أكبر بعدة أضعاف، مما كانوا عليه فى منتصف الألفينيات.
وخلال فترة التدفقات الداخلة الضخمة، ظهرت عدة تفسيرات خاطئة، وبعضها كان سخيفاً ببساطة مثل أن صناديق المؤشرات ماركسية أو غير ربحية أو اشتراكية، او أنها تمثل فقاعة ستنفجر قريباً، وأنها خطيرة على الاقتصاد، وغيرهم، وكانت بعض التفسيرات أقل هستيرية، ولكن تحمل نفس القدر من التضليل والخطأ.
أما التفسيرات الأكثر واقعية للتحول نحو صناديق المؤشرات، تتمثل فى تغير نماذج الأعمال فى قطاع إدارة الأموال والتحول عن حسابات السمسرة التى تخصم عمولة إلى الاستشارات القائمة على رسوم، وثانياً أن المستثمرين لم يحصلوا على المكاسب الموعودة من قبل صناديق الاستثمار النشطة، وثالثاً أن المستثمرين خاب أملهم بسبب سلسلة من الاحتيال على الحسابات، وفضائح المحللين، ومخططات السرقة والاحتيال الهرمى فى الألفينيات.
والتفسير الرابع أن هناك شعوراً بأن الأسواق انقلبت على المستثمر التقليدى، مما أجبرهم على البحث عن بدائل أخرى، والخامس انتشار علم الاقتصاد السلوكى، وهو ما قاد كثيرين إلى إدراك أنهم يفتقرون إلى المهارات والمزاج اللازمين لإدارة أمولهم بأساليب نشطة.
والتفسير الأخير هو الانهيارات والتقلبات المتكررة فى أسواق الأسهم والسلع والإسكان ما استنزف صبر جيل من المستثمرين، وهناك أسباب أخرى عديدة، ولكن الأسباب المدعومة رياضياً وعقلياً تكفى لأغراض المناقشة القائمة فى هذا المقال بشأن الاتجاهات المستدامة، والآن وبما أن الأمور غير المستدامة لم يعد بالإمكان دوامها، فقد رأينا بالفعل تفسيرات مضللة بشأن تباطؤ التدفقات.
وبالفعل، ارتبط تباطؤ التدفقات بفترة من التقلبات فى السوق، والتى تعود إلى المخاوف بشأن الحرب التجارية وارتفاع أسعار الفائدة، ولكن ماذا بشأن التقلبات السوقية السابقة؟ فقد كانت لدينا انهيارات قصيرة فى الأسواق، واستعراضات للقوة النووية، ونتائج انتخابات مفاجئة فى أمريكا والخارج، بالإضافة إلى تخفيض التصنيف الائتمانى للولايات المتحدة، ولكن لم يبطئ أى من ذلك التدفقات الداخلة، وبالتالى فإن إيجاد علاقة ارتباطية يعنى ان المسبب ببساطة غير دقيق.
والآن دعونا ننظر إلى التفسير الأفضل، فقد انتقلت بالفعل أصول بحوالى 10 تريليونات دولار من صناديق الاستثمار النشطة مرتفعة التكلفة، إلى الصناديق السلبية الأرخص، وتباطأت التدفقات لأن المرحلة الأولى من التحول إلى صناديق المؤشرات قد استكملت، وتم قطف ثمرتها، وإن كنت محقاً، فسوف تكون التدفقات الداخلة مستقرة على الأرجح، ولكن أبطأ.
وانا أتحدث بشكل منتظم مع الإدارة العليا فى صناديق مثل “فانجارد”، و”دايمنشنال فاند أدفيزرز” وغيرهما من مقدمى صناديق المؤشرات، وعلى مدار سنوات، اضطروا إلى التعامل مع فيضان التدفقات، وأظن أنهم يرحبون بتباطؤ التدفقات ليحظون بفرصة هضم هذه المكاسب، والسماح لأنظمتهم بالتعامل مع الزيادة الضخمة فى الأصول تحت الإدارة حالياً.
ورغم التباطؤ فى التدفقات إلى صنايق الاستثمار السلبية، لايزال التتبع السلبى للمؤشرات منافسا قويا للصناديق النشطة.
وقال صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن 29 مليار دولار من أموال العملاء غادرت “الصناديق النشطة” خلال النصف الأول من العام الحالى، وأى مدير أموال سيتم تخييره بين تباطؤ التدفقات أو التدفقات الخارجة سيختار الخيار الأول.
فلماذا إذن نعقد ما هو تفسير بسيط؟ فقد أصبح المستثمرون أكثر علماً من الناحية المالية، وتتبع المؤشرات أصبح طريقة استثمارية ناضجة، أما من يأملون أن يحدث انعكاس كبير فى الاتجاه المستمر منذ 40 عاماً، فسوف يخيب أملهم على الأرجح.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”