صادرات فيتنام الأكثر تضرراً من تراجع الطلب الأمريكى
ربما تتسبب مخاطر الحرب التجارية الناشبة بين الولايات المتحدة والصين، في حدوث أضرار تبعية كبيرة في أكبر الاقتصادات الناشئة في جنوب شرق آسيا.
وكما جادل مركز أبحاث صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية في السابق، هناك خمسة اقتصادات تابعة لرابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان”، وهي الفلبين وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند وفيتنام، في منأى أفضل ضد التقلبات السوقية عما كانت عليه خلال نوبة التقلبات التي حدثت في 2013.
ولكن هذه الاقتصادات غير مستعدة لفترة ممتدة من انخفاض الطلب العالمي، كونها مهددة من التدابير الحمائية المتبادلة بين الصين وامريكا والتي بدأتها إدارة الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب.
وقالت الصحيفة، إنه في الوقت الذي تعد فيه فيتنام، التي يقوم اقتصادها على التصدير، أكثر عرضة بشكل مباشر لتباطؤ عالمي، تترك الحسابات الحالية الهشة الخاصة بكل من الفلبين وإندونيسيا تلك الدول عرضة لأزمات ميزان المدفوعات.
وتجدر الإشارة إلى ان البيت اﻷبيض فرض حتى الآن تعريفات جمركية مباشرة بنسبة 25% على ما قيمته 34 مليار دولار من الواردات السنوية القادمة من الصين، واستجابت الحكومة الصينية على الفور، ولكن إذا كان العراك التجاري سيتوقف هنا، فلا داعي لقلق دول الآسيان.
ومع ذلك، قد تكون هذه اﻷمور مجرد بداية، فالإدارة الأمريكية تدرس فرض رسوم جمركية على واردات أخرى بقيمة 200 مليار دولار، كما هدد الرئيس اﻷمريكي بفرض ضرائب على ما قيمته 500 مليار دولار من الشحنات القادمة من الصين، هذا فضلا عن أنه اختار أيضا المعارك التجارية مع الاتحاد الأوروبي وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين، وبالتالي يتخذ خطر اندلاع حرب تجارية عالمية يُتخذ الآن على محمل الجد، ولكن هناك القليل من الدول ستكون محصنة ضد تداعيات تلك الحرب.
ويعد اقتصاد فيتنام الصاخب، الذي نما بوتيرة سنوية تزيد قليلا على 7% في الربع السنوي الثاني، الأكثر اعتمادا على الصادرات بين دول الآسيان الخمسة، فخلال الـ 12 شهراً المنتهية في مارس الماضي شحنت البلاد سلعا تعادل 99.2% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وبشكل أكثر من نظرائها في الدول الخمسة اﻷخرى، اعتمدت فيتنام على الصادرات للنمو على مدى العقد الماضي، إذ سجلت نحو أربعة أضعاف شحناتها بين عامي 2008 و2017، لتصل بذلك صادرات البلاد السنوية إلى ما قيمته 226 مليار دولار، وبالتالي فهي تتخلف عن تايلاند، التي تعرف بكونها الدولة الإقليمية الرائدة، بقيمة 17 مليار دولار فقط.
وتحتل صادرات فيتنام السنوية إلى الولايات المتحدة، المرتبة الأولى بين دول الآسيان بقيمة 43.7 مليار دولار، مما يجعل البلاد حساسة لانخفاض طلب المستهلك الأمريكي، فالمبيعات المتجهة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأسواق المتقدمة الأخرى، وليس للصين، هي التي دفعت نمو فيتنام على مدى العقد الماضي.
وأضافت الصحيفة البريطانية أن تهديد الصراع التجاري الخطير يضاف إلى الضغط المفروض على الأسواق الناشئة إثر قوة الدولار الأمريكي، مشيرة إلى أنه رغم عدم تعرض دول الآسيان الخمس إلى أضرار قوية مثل تركيا أو الأرجنتين، إلا أن أسهم كافة الدول الخمسة قد بيعت بشكل حاد، مع احتفاظ فيتنام فقط بالكثير من مكاسب العام الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن البيزو الفلبيني كان الأسوأ أداء بين عملات دول الآسيان الخمسة، حيث تراجع بنسبة تزيد على 7.3% مقارنة بالدولار خلال العام الحالي، تليه الروبية الإندونيسية بنسبة 6.1%.
كما قام البنك المركزي الفيتنامي بتخفيض قيمة الدونج الفيتنامي في صمت، فقد انخفض مؤشر الدونج بنسبة 1.5% حتى الآن خلال العام الحالي، ويمكن للحكومة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة إذا تباطأت الصادرات بشكل كبير.
وربما يساعد بعض الضعف في قيمة العملات على تخفيف حدة الاقتصادات التي تركز على التصدير، مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا، كما يمكنها الاستفادة على المدى الطويل إذا تحول الاستثمار الأجنبي المباشر بعيدا عن الصين، حيث تقوم مزيد من الشركات بالتحوط ضد مخاطر الأعمال التجارية، وبالمثل ستشجع التعريفات الجمركية المفروضة على السلع المنتجة في الصين على تسريع نقلها إلى اقتصادات الآسيان الأقل تكلفة.
وتعاني الفلبين وإندونيسيا من عجز مستمر في الحساب الجاري، مما يجعلها أكثر عرضة لخفض قيمة العملة، وربما تتعرض ﻷزمات في ميزان المدفوعات في السيناريوهات المتطرفة، ولكن في الوقت الحالي يعد غطاء الواردات كافيا، مع احتياطي النقد الأجنبي الذي يعادل 8.8 شهر من الواردات للفلبين و8.1 من الواردات لإندونيسيا.
ويعد الوضع في الفلبين أكثر خطورة، إذ أظهر تحليل مركز أبحاث الصحيفة تعرض الاقتصاد لضغوط من الميزان التجاري المتدهور وتباطؤ نمو التحويلات، فالبلاد شهدت عجزا في الحساب الجاري منذ أواخر 2016، مما خفض احتياطيات العملات الأجنبية بنسبة 10.7% من ذروتها في سبتمبر عام 2016.
الأسوأ من ذلك، تسارع الاتجاه، فقد حدثت نصف الخسائر الاحتياطية للبلاد تقريبا خلال الأشهر الستة الماضية، وهي سرعة قد تصبح غير مستدامة إذا ساءت الظروف الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الفلبين بشكل كبير مقارنة بدول الآسيان الخمسة على واردات الطاقة المقومة بالدولار، لذا فإن البيزو الفلبيني الأضعف يرفع فاتورة الواردات.
ويضاعف التضخم مثل هذه التحديات، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في الفلبين بشكل شهري حتى الآن خلال العام الجاري ليصل إلى 5.7% في يونيو الماضي مقارنة بـ 3.3% في عام 2017، وذلك نظرا لارتفاع أسعار البترول ونقص الأرز.
أما فيما يخص إندونيسيا، فالتضخم بها يخضع حاليا للسيطرة، ولكن البلاد تعاني من أكبر عجز في الحساب الجاري بين دول الآسيان الخمسة منذ عام 2012، كما أن احتياطياتها من النقد الأجنبي انخفضت بنسبة 8.1% في النصف السنوي اﻷول فقط.
وربما يكون اعتماد إندونيسيا على الصادرات منخفضا بشكل إجمالي، ولكنها تشحن كميات هائلة من الفحم وزيت النخيل والسلع الأخرى، وبالتالي فإن صدمة الطلب العالمي سيكون لها تأثير كبير على ميزانها التجاري.