حث الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان، أبناء شعبه على إخراج أسلحتهم من «تحت الوسائد» للرد على العقوبات اﻷمريكية غير المسبوقة المفروضة على البلاد، فهذا المصطلح المحلى الذى استخدمه أردوغان يصف المكان الذى يكدس فيه المدخرون اﻷتراك العملات اﻷجنبية.
وقال أردوغان: «أخرجوا الدولارات واليورو والذهب، وقوموا بتحويلها إلى عملة الليرة، أظهروا مقاومتكم المحلية والوطنية ضد العالم بأسره».
وقالت وكالة أنباء بلومبرج، إن أردوغان يدرك جيدا أين يقع اقتصاد بلاده، الذى يعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبى مما يجعله أشد تأثرا، ولكن ليس من الواضح ما الذى يمكن ﻷردوغان القيام به لحماية الاقتصاد من غضب الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب.
فرض الرئيس اﻷمريكى عقوبات على اثنين من وزراء الحكومة التركية نهاية اﻷسبوع الماضى بعد احتجاز تركيا لقس أمريكى بناء على اتهامه بالإرهاب والتجسس، لتكون بذلك هذه الخطوة الرمزية، إلى حد كبير، كافية لحث المستثمرين على الهروب من تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، تدل التوقعات واسعة النطاق على أن هناك إجراءات أكثر صرامة فى الطريق، فقد استجابت تركيا السبت الماضى، إلى الخطوة التى اتخذتها الولايات المتحدة من خلال تجميد أصول اثنين من الوزراء اﻷمريكيين فى تركيا.
وتحدث كل هذه اﻷمور للاقتصاد الذى كان يقع بالفعل ضمن الفئة عالية المخاطر، إذ انخفضت قيمة الليرة التركية بما يزيد على %20 حتى قبل العقوبات التى فرضها ترامب، وتكافح الشركات التى تقترض بالدولار من أجل سداد ديونها، كما أن معدلات التضخم تخرج عن السيطرة.
وفى ظل ذلك، يتوقع المحللون مزيدا من الإجراءات الأمريكية التى قد تفرض مزيدا من التكاليف الاقتصادية المباشرة على تركيا.
وقال ريتشارد نيفيو، كبير خبراء عقوبات الطاقة فى جامعة كولومبيا فى مدينة نيويورك اﻷمريكية، إن الولايات المتحدة بإمكانها اتباع النهج الذى تطبقه فى روسيا ووضع رجال الصناعة الكبار ممن يدعمون أردوغان ضمن القائمة السوداء.
ويعتمد الرئيس التركى على بعض اﻷهداف المحتملة التى تشتمل على بعض شركات البناء الساعية لتشييد المشاريع المجنونة ﻷردوغان (يتم انفاق أكثر من 200 مليار دولار من الاستثمارات فى المطارات والجسور وقناة شحن جديدة) من أجل دعم النمو، ولكن تلك الشركات قد تجد نفسها مستبعدة خارج الأسواق الدولية.
وفيما يخص قيمة العقوبات، قال ماكس هوفمان، المدير المساعد للأمن القومى والسياسة الدولية فى مركز التقدم الأمريكى: «يمكن أن تصل الغرامات إلى مليارات الدولارات وذلك تماشيا مع الانتهاكات السابقة»، مشيرا إلى أن هذا اﻷمر قد يكون كافيا للتأثير سلبا على الليرة التركية.
وأضاف هوفمان، أنه من المرجح أن تبتلع الحكومة التركية كبريائها وتدفع الغرامة فى ظروف أخرى للحفاظ على إمكانية وصولها إلى أسواق المال الأمريكية، ولكن قد تتغير الحسابات فى الوضع الراهن نتيجة العقوبات المفروضة على البلاد إثر احتجاز القس الأمريكى أندرو برونسون.
وفى ظل ذلك، يصر أردوغان ووزرائه على أنهم لن يرضخوا أبدا للضغوطات المفروضة من جانب الإدارة اﻷمريكية، كما أنهم هددوا بالرد عبر فرض عقوبات، إذ أعطى تعليمات بتجميد كل ممتلكات وزيرى العدل والداخلية اﻷمريكيين فى تركيا.
وحث أردوغان الولايات المتحدة على عدم السماح للقضايا السياسية بينهما بالتأثير على الاقتصاد.
وقال بريان أوتول، زميل غير مقيم فى المجلس الأطلسى فى العاصمة اﻷمريكية واشنطن: «الخطر الحقيقى يكمن فى عقلية كلا القائدين، اللذين يمتلكان اتجاهات قوية، حيث يمكن بالتالى تصاعد الإجراءات العدوانية من جانب واحد بسرعة مع الجانب الآخر».
وقالت الوكالة الأمريكية إن البنك المركزى التركى سيكون هو المترقب شديد التوتر لظهور علامات التصعيد.
وتجدر الإشارة إلى أن محافظ البنك المركزى التركى مراد جيتينكايا قام بالفعل بتشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس خلال العام الحالى من أجل دعم الليرة، ولكنه صدم المستثمرين يوليو الماضى عندما أقر عدم الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة.
ويعد أردوغان، الذى تعهد باتخاذ مزيد من السيطرة المباشرة على السياسة النقدية بعد إعادة انتخابه فى يونيو الماضى، مناهضا شرسا للمعدلات المرتفعة للفائدة.
ولكن فى ظل العقوبات الأمريكية، من المرجح أن تتراجع قيمة الليرة بشكل أكبر، مما يعزز حجج رفع أسعار الفائدة، وذلك بحسب ما قاله جيسون توفى، الخبير الاقتصادى فى شئون الشرق الأوسط لدى مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» فى لندن.
وأضاف توفي، أن هناك خطراً حقيقياً من حدوث ضغط أكثر شدة على الاقتصاد الكلى وذلك بالنظر إلى العجز الكبير فى الحساب الجارى لتركيا والاعتماد على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.
وتقدمت العديد من المجموعات الصناعية الكبرى بالفعل بطلب لإعادة هيكلة ديون تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، مما دفع البنوك إلى التوصل إلى دليل للقواعد الخاصة بالطلبات المماثلة فى المستقبل.
وبحسب إنان دمير، الخبير الاقتصادى لدى بنك نومورا الدولى ومقره لندن، تمتلك البنوك المحلية فى تركيا نحو 100 مليار دولار من الديون الخارجية المستحقة خلال الـ 12 المقبلة، ومن المتوقع عادة أن يتم الوفاء بتلك الالتزامات.
وقال هوفمان إن قدرة أمريكا على إلحاق مزيد من الآلام الاقتصادية واضحة للغاية، كما أن موقف أردوغان آمن للغاية على مستوى البلاد، حيث إن الزعيم التركى قد يفضل التراجع.