يتجه العجز التجارى فى الولايات المتحدة، الذى اتسع بشكل كبير، فى يونيو الماضى، نحو طريق يقوده ليصبح الأكبر على مدى عقد من الزمن، رغم جهود الرئيس دونالد ترامب لخفضه.
وبحسب الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، بلغ حجم العجز التجارى فى السلع والخدمات 291.2 مليار دولار فى النصف الأول من 2018، وهى نسبة أعلى من تلك التى تم تسجيلها فى العام الماضي، كما أنها تضع البلاد على مسار تسجيل أكبر عجز سنوى منذ عام 2008.
يأتى ذلك فى ظل وعود «ترامب» المتكررة بالحد من قيمة العجز التجارى، خلال فترة ولايته فى البيت الأبيض، ولكن ما حدث هو نمو قيمة العجز حتى الآن تحت مراقبته.
ويزعم «ترامب»، أنَّ العجز التجارى الكبير الذى تعانى منه بلاده، علامة على الخسارة من قِبل الصين وألمانيا وغيرهما، كما أنه ألقى باللوم على العجز فى الصفقات التجارية الغبية للغاية.
وفى الوقت ذاته، لا ينظر معظم الاقتصاديين إلى العجز التجارى كمشكلة، مسلطين الضوء على العامل الرئيسى الكامن خلف ارتفاع العجز التجارى، خلال العام الحالى، وهو شراء المستهلكين الأمريكيين مزيداً من الأشياء.
ويحدث ذلك إلى حد كبير؛ نظراً إلى لأداء الجيد للاقتصاد الأمريكى، وشعور اﻷشخاص بالتفاؤل الكافى لشراء السلع بشكل أكبر.
كما أن التخفيضات الضريبية التى اقترحها «ترامب» ساعدت على تغذية موجة الشراء للمنتجات الأجنبية.
وقال غريغورى داكو، رئيس قسم الاقتصاد فى شركة «أكسفورد إيكونوميكس» ﻷبحاث الاقتصاد، إنه فى الوقت الذى تعتزم فيه الإدارة اﻷمريكية تخفيض العجز التجارى، المفهومة على نحو خاطئ؛ نتيجة الممارسات التجارية غير العادلة، سيزيد الضغط المفروض على العجز التجارى فى اﻷشهر المقبلة، إثر عملية تنفيذ حزمة الحوافز المالية المتأخرة. وفيما يخص «ترامب»، فهو لا يرى اﻷمر بهذه الطريقة، بل إنه ينظر إلى التجارة على أنها لعبة محصلتها «صفر»، يفوز فيها بلد ويخسر الآخر، كما أنه ادعى سهولة الفوز بالحروب التجارية، هذا فضلاً عن أنه أطلق معارك مع العديد من الدول فى محاولة للضغط على قادة تلك الدول لاستقدامهم إلى طاولة المفاوضات.
وهدد «ترامب» بتصعيد الحرب التجارية بشكل كبير من خلال فرض تعريفات جمركية تصل إلى 25% على منتجات صينية أخرى بقيمة 216 مليار دولار، بالإضافة إلى جميع السيارات المستوردة والشاحنات وقطع غيار السيارات، والتى ستبلغ قيمتها نحو 360 مليار دولار من الواردات.
وإذا تم تطبيق التعريفات الجمركية على الصين، فى الأسابيع المقبلة، فإنَّ ذلك يعنى أن أكثر من 12% من الواردات سيفرض عليها تعريفات «ترامب»، وهو مبلغ كبير من المحتمل أن يقود إلى ارتفاع بعض الأسعار فى المتاجر.
ووقف «ترامب» خارج البيت الأبيض، قبل أسبوع، وأعلن النصر إثر تخفيض العجز التجارى فى الربيع، ولكن الرقم الذى كان يستخدمه لتقديم هذا الادعاء كان يشكل انخفاضاً طفيفاً فى العجز التجارى، مقارنة بالربع الأول للعام الحالى وحتى الربع السنوى الثانى، غافلاً حقيقة أن عجز الربع الأول كان الأعلى منذ فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية.
وشهدت صادرات الولايات المتحدة زيادة غير عادية، خلال فصل الربيع؛ حيث سارعت دول أخرى إلى شراء السلع الأمريكية قبل بدء تطبيق التعريفات الجمركية، ليتوقع بذلك الغالبية العظمى من خبراء الاقتصاد، أنَّ الإسراع فى الشراء قبل تصاعد الحرب التجارية سيتبعه انخفاض الصادرات دون المستوى المعتاد فى النصف الثانى من العام.
ويعد العجز التجارى المتسارع، فى يونيو الماضى، علامة على أن اﻷمر بدأ السير بهذه الطريقة.
ويعتقد خبراء الاقتصاد، أنَّ «ترامب» كان على خطأ عندما صبَّ تركيزه على خفض العجز التجارى، ولكن الطريقة الوحيدة لوضع حد لهذا الأمر هى توقف الشعب اﻷمريكى عن شراء كثير من الأشياء.
كما أشاروا إلى أن الولايات المتحدة لا تخسر فى التجارة. ويحصل الأمريكيون على سلع أرخص من الخارج، وينتهى أمر الدولارات بالذهاب إلى الصين وأماكن أخرى.. لكنها تعود إلى الولايات المتحدة فى نهاية المطاف من خلال الاستثمار الأجنبى، وشراء سندات الخزانة الأمريكية.
وتجدر الإشارة إلى أنه فى عهد «ترامب»، عادت الولايات المتحدة إلى تسجيل عجز سنوى فى الموازنة يبلغ تريليون دولار. كما أنها تتطلع إلى المستثمرين الأجانب للمساعدة على تمويل هذا العجز.
وقال جيم أوسوليفان، كبير الاقتصاديين فى شركة «هاى فريكونسى إيكونوميكس»: «من الناحية الاقتصادية، فإنَّ العجز التجارى ليس قضية كبيرة، فهو مدفوع بمدى قوة اقتصاد الولايات المتحدة فى الوقت الحالى»، مشيراً إلى أنه رغم اتساع العجز التجارى، فإنه لا يزال يمثل نسبة تقل عن 3% من إجمالى الاقتصاد الأمريكى، الذى انخفض من نسبة 5% قبل الأزمة المالية.
ومن المستبعد أن يؤدى فرض »ترامب” التعريفات الجمركية على الواردات القادمة من الصين والدول الأخرى، إلى خفض العجز التجارى؛ لأن الأمريكيين لا يزالون على الأرجح راغبين فى شراء المزيد، وبالتالى من المرجح أن تدفع الشركات إما مبالغ أكبر للواردات وإما شراء السلع من مختلف الدول التى لا تخضع للضريبة المضافة.