تابعت مثل الكثيرين أحداث المؤتمر السادس للشباب، وسعدتُ بالفكر الشبابى، والتحمس فى الأداء، والإصرار والعزيمة على إيجاد كل ما هو أفضل للوطن. ولفت انتباهى، بشكل كبير، مبادرة «الهوية البصرية للمحافظات»، ولا أخفى، أننى فى بادئ الأمر لم أستوعب المقصود بتلك المباردة، فقد تبادر إلى ذهنى أنهم يقصدون أن يكون لكل محافظة زى موحد، بحيث يتميز سكان كل محافظة عن باقى المحافظات، وتساءلت للمرة الثانية عن الهدف من ذلك؟ إلى أن قرأت وشاهدت أصحاب تلك المبادرة، وهم يتحدثون عن مشروعهم، وكيف أن يكون لكل محافظة شعار يميزها عن باقى المحافظات، بحيث يستطيع من يشاهد هذا الشعار يعرف هوية تلك المحافظة، وسعدت بتوجيهات سيادة الرئيس بأن يكون المشروع تحت رعايته؛ تيسيراً على هؤلاء الشباب، وهو الأمر الذى سيكسبه مزيداً من الاهتمام. لكن ما دفعنى إلى كتابة هذا المقال، هو أننى لاحظت أن القائمين على هذا المشروع سيبدأون من الصفر، بمعنى أنهم سيأخذون الأقصر مثالاً، فتم اقتراح شعار لها وفقاً لأنشطتها، ومن المتوقع انتقالهم إلى باقى المحافظات لدراسة مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بتلك المحافظات، تمهيداً لاقتراح إطلاق شعار لكل محافظة يحدد هويتها. فتساءلت ومن واقع تخصصى الاقتصادى، ألم يسمع أصحاب هذا المشروع عن الخرائط الاستثمارية؟، ألم يتبادر إلى ذهنهم أو تم توجيههم أن تكون نقطة الانطلاق هى تلك الخرائط؟، بمعنى أن تلك الخرائط قد أخذت من الوقت والمجهود ما مكنها من تحديد الأنشطة الاقتصادية والموارد المختلفة لكل محافظة، لكننى وبتتبع تلك الخرائط لم يظهر أمامى تميز المحافظات إنتاجياً، بمعنى لم أستطع أن أتوصل إلى أن المحافظة «س» تتميز فى منتج معين بخلاف المحافظة «ص» على سبيل المثال. فما أقترحه هو أهمية تكامل الجهود ما بين مبادرة الهوية البصرية للمحافظات، والخرائط الاستثمارية، أملاً فى الوصول إلى هدف أفضل لم يصل إليه كليهما بمفردهما. فسبق أن ناديت بأهمية تحديد الأنشطة الإنتاجية المميزة للمحافظات، بحيث يتم تحديد ما تتميز به كل محافظة عن الأخرى، أتمنى أن أرى اليوم الذى حينما نذكر فيه اسم محافظةٍ ما، أن ينعكس فى ذهننا مباشرةً منتج معين تتميز فيه تلك المحافظة عن غيرها من باقى المحافظات. أتمنى أن يكون هناك مؤشر يقيس التنافسية الإنتاجية لكل محافظة، وفقاً لمعايير محددة، ومن خلال هذا المؤشر أستطيع أن أحدد قدرتها على توفير المزيد من فرص العمل، وقدرتها على تشجيع المشروعات الإنتاجية الصغيرة، ويا حبذا إذا ما تم ربط تلك التنافسية بمجالات التدريب والتعليم الفنى أيضاً، ومن هنا سأستطيع أن أحدد أياً من تلك المحافظات قد حققت تقدم اقتصادى أكبر، وهو الأمر الذى سينعكس على معدلات النمو الاقتصادى بصورة عامة. جميل أن يكون هناك رؤية مستقبلية تستهدف ما هو أفضل لوطننا، والأجمل أن تتكامل الجهود بهدف الوصول إلى ما هو أسمى، لذا أرى أن مبادرة الهوية البصرية للمحافظات وما يتوفر لها من مساندة، يمكن أن تكون البداية الحقيقية لتحديد الهوية الإنتاجية لمختلف محافظات مصر، بل يمكن أن يتسع نطاقها ليتم تطويرها ونصل من خلالها إلى تحديد تنافسية المحافظات، بشرط استغلال ما توفر من بيانات الخرائط الاستثمارية للمحافظات. فمن خلال تحديد الهوية الإنتاجية لمختلف المحافظات وربطها بالجانب التدريبى والتعليم الفنى، سيسهل تصميم الشعار المعبر عن الهوية البصرية لتلك المحافظات، وهو الأمر الذى سيمكننا وسيساعدنا على الوصول إلى أهدافنا التنموية على مستوى جميع المحافظات.
د. شيماء سراج
خبير اقتصادى