بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لمجموعة “اليانز”
أعطت نهاية الأسبوع، تركيا والأسواق المالية العالمية، نفساً عميقاً كانوا فى أشد الحاجة إليه بعد أن مرت عملة الدولة بأسبوع من الضعف الشديد والتقلبات العالية، ومع ذلك، فإنها أيضاً ترسخ التوقعات بين المتداولين بضرورة اتخاذ مبادرة سياسية حاسمة، والتى إن لم تكن مبهرة بما يكفى فستقود إلى مزيد من عدم الاستقرار السوقى، بالإضافة إلى اختلالات اقتصادية ومالية أوسع.
وهناك 7 أمور أساسية يتعين على المتداولين والمستثمرين والحكومات والبنوك المركزية وضعها فى الحسبان.
أولاً.. ما وراء سعر الصرف.
رغم أن التركيز هذه الأيام على مدى تحركات العملة، فإن محنة تركيا تمتد إلى ما وراء سوق العملات، فالعملات خاصة فى الأسواق الناشئة عادة ما تعانى من تقلبات حادة وليس فقط فى الاتجاه الهبوطى، وهذه التحركات العنيفة لا تكون عادة المحرك للاضطرابات الكامنة الأخرى ولا هى النتيجة النهائية لها، وإنما هى في أفضل الأحوال مجرد مؤشر ظاهرى ويحتوى على إشارات لما قد يأتى لاحقاً.
ثانياً.. الاختلالات قائمة منذ فترة.
من خلال تحفيز اقتصادها بشكل مستمر عبر الائتمان، ومؤخراً زيادة الإنفاق، راكمت تركيا عجزاً مزدوجاً، أى اختلالات فى موازنة قطاعها العام وفى الحساب الجارى لميزان المدفوعات.
وتمويل هذه العجوزات من الاقتراض الخارجى والتدفقات الرأسمالية الداخلة، أدى إلى تعزيز الاستثمار والنمو، لكن الدخل المتزايد الناتج لم يكن كافياً للحد من عبء الديون.
ثالثاً.. البيئة الخارجية أصبحت أقل ترحيباً.
رغم أن حاجات تركيا التمويلية لاتزال هائلة، فإنها تواجه حالياً بيئة خارجية أكثر تحدياً، وهذا لن يتغير فى أى وقت قريب، ونتيجة لذلك أصبحت التدفقات الداخلة أقل وفرة وأكثر تكلفة.
وعندما يتعلق الأمر بالسيولة العالمية، فإن العالم فى وسط عملية تحول عن الفترة المطولة من الظروف المالية الفضفاضة، كما أن بعض أكبر عمليات الضخ الشهرى للنقدية من خلال برامج شراء الأصول إما توقفت (كما فى حالة الاحتياطى الفيدرالى) أو يتم تقليصها (البنك المركزي الأوروبى).
وهذا أثر بالسلب على فئات الأصول الأكثر هشاشة، خاصة أصول الأسواق الناشئة التى عانت من تدفقات رأسمالية خارجة كبيرة.
وتضاعف تأثير تلك البيئة الخارجية الأكثر تشددا بالنسبة لتركيا بسبب خلافها السياسى مع الولايات المتحدة، بجانب الحديث عن تعريفات مزدوجة على صادرات المعادن من تركيا، وأصبح الوصول لحل سياسى خطوة مهمة على المدى القصير لتقليص الضغط على سوق العملة التركى.
رابعاً.. لدى المستثمرين شكوك بشأن الاستجابات السياسية لتركيا
يزداد وضع الدولة تعقيدا بسبب المخاوف من الإدارة الاقتصادية، وفى خضم الضغوط السياسية الضخمة، تقل الثقة في قدرة البنك المركزى على تطبيق تدابير سوقية حاسمة لبث الاستقرار في العملة، وتفاقمت المخاوف بشأن التدخل السياسي بعد تعيين صهر الرئيس رجب طيب أردزجان فى دور رئيسى فى التنسيق والرقابة الاقتصادية فى مجلس الوزراء.
خامساً.. الدولة ينقصها وجود مرجع خارجى موثوق.
تكون الاستجابة التقليدية للدول التي تواجه ظروفاً مشابهة لتلك، أن تبحث عن مرجع أو أكثر يعزز قوة السياسات المحلية، وهذا يتضمن في بعض الأحيان برنامجاً مع صندوق النقد الدولى يقدم التمويل وفي نفس الوقت يصدق على الإدارة الجيدة للسياسات المحلية، وهو ما فعلته الأرجنتين فى أوائل العام الحالى لمكافحة التقلبات فى سوق عملتها، وحجة لجوء تركيا لصندوق النقد الدولى ستدعمها نظرياً المخاوف من عدوى محتملة.
ولكن يبدو أن تركيا مترددة فى اللجوء إلى صندوق النقد، ولأسباب مفهومة، خاصة أن دعم الولايات المتحدة غير مضمون إطلاقاً حالياً، كما ان الصندوق الواقع فى واشنطن سيطلب على الأرجح تعديلات سياسية كبيرة من أنقرة بما فى ذلك الرجوع عن العديد من المبادرات الرئيسية للرئيس.
ومع ذلك، وبدون صندوق النقد، قد تضطر تركيا إلى التحول عن هذه المبادرات، وسواء لجأت للصندوق أم لا، ستواجه على الأرجح فترة طويلة من خفض الإنفاق، وارتفاع أسعار الخدمات العامة، وارتفاع الضرائب لتقليل العجز الداخلى والخارجى.
ولا توجد بدائل كثيرة لصندوق النقد الدولي، ومن غير المرجح ان تقوم الحكومات والمؤسسات الأوروبية بأى شىء قد يغير بقدر كبير الحاجات التمويلية التركية، وينطبق الأمر على معظم الدولة الخليجية، أما الصين التي تعد أقل اهتماماً بالمشكلات السياسية، فلن تنخرط على الأرجح بشكل سريع على النطاق المطلوب، كما ان العلاقات السياسية الأقرب، بما في ذلك المكالمة العلنية يوم الجمعة بين الرئيسيين أردوجان وفلاديمير بوتين، لن تسفر عن الكثير فيما يتعلق بتدفق النقدية.
سادساً.. ركوب العاصفة خيار ولكنه ليس جذاباً
يمكن أن تتراجع تركيا للوراء وتترك العملة تصل للقاع، والسؤال ليس إذا كان هذا سيحدث أم لا لأنه سيحدث، ولكن بأى تكلفة على الاقتصاد؟
سابعاً.. تزايد الحديث عن الضوابط على رأس المال وتحويل العملات.
لا عجب فى تزايد الحديث محليا عن احتمالية فرض ضوابط رأس مالية في تركيا للحد من التدفقات الخارجة ودولرة الاقتصاد، ولكن هذا يزيد حافز القطاع الخاص (المحلى والأجنبى) فى تسريع عملية انفصاله عن العملة المحلية، ومع ذلك سيأتى المزيد من الضغوط الاقتصادية والمالية.
والنتيجة النهائية لتركيا ليست سارة، وادى تزامن الضغوط الداخلية والخارجية إلى تضييق المساحة أمام السلطات للمناورة عندما يعلق الأمر بتشكيل السياسة والتمويل، خاصة إذا قرروا المضى قدمهم في ذلك وحدهم، وأصبح من غير المرجح أن تتمكن الحكومة من تجنب خليط من رفع أسعار الفائدة، والتدابير التقشفية واللجوء إلى قروض صندوق النقد وبعض أشكال الضوابط الرأسمالية.
ويتعين على المستثمرين الاستعداد للمزيد من التقلبات في الليرة التركية والفوارق في عائدات السندات، وكذلك مزيد من العدوى في الأسواق الناشئة الأخرى، أما التأثير على العالم المتقدم – خاصة أوروبا – سيحدث إذا انتشرت مصادر العدوى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”