بقلم: دانى رودريك
أستاذ الاقتصاد السياسى الدولى بكلية
جون كينيدى للعلوم الحكومية بجامعة هارفرد
كيف يمكن لنظام التجارة العالمية التعامل مع بلد كبير يزداد قوة مثل الصين، التى تبدو وكأنها تؤدى دور العولمة بقواعد مختلفة؟ هذا هو التساؤل الذى عادة ما يبقى صانعى السياسة اﻷمريكيين واﻷوروبين مستيقظين طوال الليل.
ووصلت الحمى إلى أعلى معدلاتها في الولايات المتحدة، حيث ألقت إدارة الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب باللوم على الصين في المشاركة فى العدوان الاقتصادى وأعلنت الحرب التجارية رداً على ذلك، وربما تكون أساليب الرئيس الأمريكي مستنكرة، ولكن الرأي الذي يفيد بضرورة اتخاذ رد فعل بشأن الممارسات التجارية والصناعية الصينية منتشر على نطاق واسع بين النخب السياسية الرئيسية.
وقد يكون اﻷمر أكثر لطفاً فى أوروبا، ولكن القلق مشترك، فقد تساءلت سيسيليا مالمستروم، مفوضة الاتحاد الأوروبى للشئون التجارية، حول كيفية التوفيق بين نموذج الشركات المملوكة للدولة فى الصين وبين اللعب على المستوى العالمى، بينما يطرح صانعو السياسة الأمريكيين والأوروبيين تساؤلاً خاطئاً، حيث لا تكمن المشكلة فى سياسات الصين بقدر تواجدها فى نظام التجارة العالمي.
وتستند منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى جميع الاتفاقيات التجارية منذ ذلك الحين، على فكرة تلاقى الممارسات الاقتصادية في الدول المختلفة في نهاية المطاف، ولكن هذا اﻷمر لم يحدث، كما يبين مثال الصين بوضوح تام، والأهم من ذلك هو عدم وجود سبب وجيه لتلاقى النماذج الاقتصادية الوطنية في المقام الأول، وبالتالي يجب أن تتغير قواعد التجارة العالمية، بغض النظر عما تفعله الصين لاستيعاب التنوع الاقتصادى.
وكانت الاتفاقيات التجارية المبرمة فى أوائل فترة ما بعد الحرب قد أتاحت المجال أمام الدول لمواصلة مساراتها الخاصة، كما أن الجولات التجارية المختلفة بموجب الاتفاق العام القديم بشأن التعريفات الجمركية ونظام التجارة غطت الحواجز الواضحة أمام السلع المصنعة على الحدود فقط، خاصة الرسوم الجمركية والحصص المفروضة على الواردات، ولكن تم استبعاد الخدمات والزراعة.
ويمكن للدول النامية أن تفعل ما تشاء، فقد تم إنشاء نظام خاص لتمكين الدول المتقدمة من إعادة فرض قيود على الواردات بعد أن هددت زيادة الواردات في الملابس بحدوث اختلال اقتصادى لديها فى أوائل السبعينيات، ولكن منظمة التجارة العالمية غيرت كل ذلك، حيث بات بالإمكان الآن التعامل مع أى لائحة محلية ذات تأثير ضار على الواردات كقيود مفروضة على التجارة، كما أن الاتفاقيات التجارية اللاحقة اتجهت إلى أبعد من ذلك مع إعطاء الأولوية للتجارة والاستثمار الأجنبى عن المخاوف الداخلية.
ويميل صانعو السياسة الغربيون إلى التفكير فى قواعد التجارة العالمية الحالية على أنها محايدة ونزيهة وتعامل جميع المشاركين بشكل عادل، ولكن الاتفاقيات التجارية هى وثائق سياسية تعكس مصالح الائتلافات المهيمنة، تلعب خلالها الشركات متعددة الجنسيات والبنوك الدولية وشركات صناعة اﻷدوية دورا هاما بشكل خاص فى تشكيلها.
وليس من المستغرب أن تكون المخاوف الواقعية طويلة اﻷمد، التى تدور حول التنمية أو حقوق العمال والبيئة، قد لاقت القليل من الاهتمام، كما أنه ليس هناك شك فى انتهاك الصين لجوهر قواعد منظمة التجارة العالمية بشأن الملكية الفكرية والدعم الحكومى، ولكن عندما تشكو الولايات المتحدة وأوروبا من انتهاك الصين للمعايير والقواعد العالمية فإنها تنسى تاريخها الاقتصادي الخاص، رغم أن سياسات الصين لا تختلف كثيراً عن تلك السياسات التى اعتمدتها هذه الدول أيضاً خلال محاولة اللحاق بالزعماء التكنولوجيين فى ذلك الوقت.
وتنسى هذه الدول أيضاً أن سياسات الصين غير التقليدية لم تولد فقط نمواً اقتصادياً محلياً مهماً وخفضاً فى مستوى الفقر، بل أنها ولدت أيضاً سوقاً ضخماً للصادرات والاستثمارات الغربية، فهذه السوق ما كانت لتكون بهذا الحجم الكبير إذا كانت الصين محصورة فى سياسات الكتاب المدرسى الاقتصادية الموجودة لدى الغرب.
ومن جهتها، يجب على الصين إدراك أن الدول الأخرى لها الحق أيضاً في صياغة استراتيجياتها الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها، وعندما تهدد التجارة بتقويض معايير العمل المحلية أو النظم المالية أو الاستثمارات في التكنولوجيا المتقدمة ينبغي على الدول الغنية أن تتمتع بنفس الحق فى معالجة هذه المخاوف بشأن الواردات والاستثمارات الأجنبية.
وفى ظل ذلك، إذا أصبحت منظمة التجارة العالمية مختلة، فسيكون ذلك لأن قواعد التجارة قد تجاوزت حدودها، كما أن نظام التجارة العالمية العادل من شأنه الاعتراف بقيمة التنوع في النماذج الاقتصادية، وينبغى عليه السعى لإيجاد طريقة للتوفيق بين هذه النماذج، بدلاً من تشديد القواعد.
إعداد: منى عوض
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية