عادة ما يلقى باللوم فى فائض الحساب الجارى الهائل بألمانيا على الحكومة غير المستعدة لإنفاق اﻷموال والمهووسة بتوازن الموازنة والأسر المقتصدة المكدسة للأموال، ومع ذلك لا تزال اﻷعمال التجارية اﻷلمانية الجانى الرئيسى.
وأوضح عدد من خبراء الاقتصاد، ممن حددوا ارتفاع صافى مدخرات الشركات كعامل مهم وراء ارتفاع الفائض الخارجى لألمانيا، أنَّ الشركات المتواجدة فى أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو تستثمر القليل وتدخر الكثير من المال.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إنَّ ألمانيا تحظى بإعجاب واسع النطاق باعتبارها قصة نجاح ذات تكنولوجيات عالية وتقودها الصادرات، ولكن فائض حسابها الجارى الهائل أصبح مصدر إزعاج خطيراً لشركائها التجاريين، خاصة الولايات المتحدة.
وحذر موريس أوبستفيلد، كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولى، من التهديدات متوسطة اﻷجل على استقرار النظام المالى العالمى، إذا استمر نمو الاختلالات فى الدول ذات الفائض المرتفع، مثل ألمانيا وهولندا.
وأضاف أن أفضل التدابير التى اتخذتها برلين لحل المشكلة أدت فقط إلى زيادة خطر الاضطرابات من خلال تعديل أسعار العملات والأصول فى الدول المثقلة بالديون على حساب الجميع.
ووصل فائض الحساب الجارى اﻷلمانى إلى 296.4 مليار دولار، أى ما يعادل 8% من ناتجها الاقتصادى، و0.4% من إجمالى الناتج المحلى العالمى، ولكن معهد إيفو الاقتصادى، الذى يتخذ من ميونيخ مقراً له، توقع مؤخراً وصول فائض الحساب الجارى إلى 300 مليار دولار العام الجارى، ما يجعله الأكبر فى العالم للعام الثالث على التوالى.
وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية، إنَّ هناك القليل من الخطوات يمكن فعلها، موضحة أن فائض الحساب الجارى جاء نتيجة قرارات سوقية اتخذتها الشركات والمستهلكين من القطاع الخاص فى اﻷسواق العالمية بشأن العرض والطلب، وهى عوامل لا تستطيع الحكومة السيطرة عليها، بما فى ذلك أسعار البترول وسعر صرف اليورو والجودة النسبية للمنتجات الألمانية.
وأشارت الوزارة إلى أن الحكومة رفعت الاستثمار العام فى الطرق والمدارس والبنية التحتية الرقمية، وذلك بفضل توقعات انخفاض فائض الحساب الجارى من ذروته البالغة 8.5% من إجمالى الناتج المحلى فى 2015 إلى 7.5% خلال العام المقبل.
ومع ذلك، لم ينعكس التأثير على قطاع الشركات، ففى الوقت الذى تواصل فيه الشركات الألمانية الاستثمار فى الخارج، خاصة فى اﻷسواق الآسيوية سريعة النمو، تترد فى توظيف أموالها بموطنها اﻷم، وبالتالى انخفض الاستثمار فى ألمانيا من نحو 13% من إجمالى الناتج المحلى فى التسعينيات إلى 11% خلال السنوات اﻷخيرة.
وحتى وقت قريب، كانت مدخرات الشركات أمراً منطقياً، فالشركات التى خرجت من الأزمة المالية العالمية مع الديون الضخمة كانت بحاجة لإصلاح ميزانياتها العمومية، ولكن هذا السلوك لم يتغير حتى مع بدء الاقتصاد الألمانى فى التعافى ودخوله مرحلة الازدهار طويل اﻷمد.
وبحسب صندوق النقد الدولى، لم يعالج الوضع بانخفاض معدلات توزيع الأرباح، خاصة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، رغم وجود دليل على أن الأرباح قد عادت إلى الارتفاع مرة أخرى خلال الأشهر الأخيرة.
وأوضحت الصحيفة، أن هذه الظاهرة محيرة، ولكن يمكن أن تكمن الأسباب فى النقص المزمن بالعمالة الماهرة ونمو الإنتاجية المنخفض نسبياً فى ألمانيا، والتى قد تعيق الشركات بجانب التوقعات الديموغرافية السيئة للبلاد وشيخوخة السكان.