اقتصادنا يا تعبنا «90»
مع نهايات شهر أغسطس 2018 ظهرت علينا الحاجة موديز ربنا يعمر بيتها – من باب الدعابة- بتحسين نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من مستقر إلى إيجابي مع الابقاء على تصنيف مصر عند B3 (يعنى مازالت هناك مخاطر مرتفعة)… وحددت وكالة موديز للتصنيف الائتماني عدة أسباب رئيسية وراء رفع نظرتها المستقبلية لمصر؛ وهى: استمرار التحسن الهيكلى فى الموازنة العامة وميزان المعاملات الجاري والتقدم الكبير الذى أحرزته الحكومة المصرية فى تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد، وظهور بوادر إصلاحات فى بيئة الأعمال تفسح المجال أمام مسار نمو مستدام وشامل يمكن أن يحسن تنافسية مصر ويساعد على امتصاص الأعداد المتزايدة فى سوق العمل، وثبات أسقف تصنيفات الودائع والسندات بالعملات المحلية والأجنبية دون تغيير، والذى أضفى قدرًا من الاستقرار المالي، وتحقق الاستقرار السياسى وترجيح استمراره مما يدعم من استقرار النتائج الاقتصادية المتحققة..
ولكن من قراءتى لما جاء فى بيان وكالة موديز وتحديد على مستوى الاقتصاد الكلى .. لاشك أن تحسن النظرة المستقبلية أمر إيجابي ومهم أمام المؤسسات الدولية وكذلك المستثمرين ولاسيما صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية التى تستثمر جزءاً من أموالها فى أذون الخزانة والسندات.. لكن تحسن بعض المؤشرات الكلية كمعدل نمو الناتج المحلى وظهور مؤشرات إيجابية للعجز الأولى ليست دليلاً على تعافى الاقتصاد بشكل يضمنه له احتواء أي أزمة اقتصادية فى ظل الأزمات الحالية التى يعانى منها الاقتصاد العالمى من ارتفاع أسعار البترول والحرب التجارية بين الصين وأمريكا وتداعيات البريكسيت وأزمات دول اليورو الاقتصادية وأزمة الاقتصاد التركي…
ولاسيما وأن التقرير لم يقف فقط عند تحسن النظرة المستقبلية بل أشار وكان صريحًا فى ذلك إلى مشكلة الدين العام التى تجاوزت وفقا لما جاء ببيانه %103 من الناتج المحلى الإجمالى وتنامى الدين الخارجي إلى مستويات تفوق 83 مليار دولار بنسبة وصلت إلى %37 من الناتج المحلى الإجمالى مما يجعلنى أرى أن النسبة الكلية للديون تتجاوز الـ %103 من الناتج المحلى الإجمالى فى الواقع.. وهو أمر لن نخوض في تدقيق النسبة الحقيقية للدين.. ولكن الإيجابي بالنسبة لي هو بدء تفكير الحكومة فى تبني خطة لخفض الدين العام –وفقا لتوصيات الصندوق- منذ تقرير المراجعة الثالث لصندوق النقد وكذلك بيان فتش بشأن الاقتصاد المصري الذى أكد كلاهما مشكلة الدين العام مع قضايا أخرى تطرقنا له فى مقالة سابقة عن الصندوق وفيتش..
حيث تزمع الحكومة المصرية على الوصول إلى نسبة الدين العام إلى %86 فى موازنة 2018-2019.. واستهدافها نسبة %82 فى 2020.. وإن كنت أشكك فى تحقق هذه النسبة.. لأن استهداف خفض الدين ينبغى أن يرتبط بأمرين يتحققان على التوازى، أولهما التوقف عن الاستدانة وتوجيهها لعلاج عجز الموازنة الذى مازال فوق الـ%10، ثانيهما أن تزيد موارد الدولة الدولارية من مصادرها المعروفة (الاستثمار- التصدير – السياحة).. فالاستثمار الأجنبى المباشر خلال 2017 انخفض بنسبة %9 كما أن غالبيته ما تدفق من استثمارات كان فى مجال البترول والطاقة، وكنت قد كتبت فى هذا مقالة منفصلة عندما صدر تقرير الاستثمار فى العالم الصادر عن مؤسسة الاونكتاد فى يونيو 2018… ولاسيما وأن تقرير المراجعة الثالثة للصندوق أشار إلى أن الفجوة التمويلية المتوقعة خلال العام المالى 2018-2019 ستتراوح بين 1-2 مليار دولار.. بعد أن غطتها الاحتياطيات الدولارية والقروض حتى 2017-2018 وهى التزامات على الدولة وتجعلها فى موضوع اهتزاز ان لم تتحسن الموارد الدولارية من المصادر التى ذكرناها.. فازدياد القروض دون تحسن عجلة الإنتاج والتصدير والاستثمار والسياحة سيؤثر على القدرة على السداد وبالتالى «هنفضل نلبس طقية دا لدا وبفوائد أعلى».. ولاسيما وأن تقرير فيتش وموديز أشارا إلى ارتفاع تكلفة إعادة التمويل كأحد المخاطر التى يواجهها الاقتصاد المصرى..فى ظل ارتفاع الفائدة عالميا… وهو ما يفرض عليك تحديا بعدم النزول بالفائدة مؤقتا لتنافس دوليا على جذب مستثمرين للسندات.. أو على الأقل عدم خروج حفنة كبيرة من المستثمرين… ولكنا نعلم انه تم تأجيل طرح سندات دولارية مؤخرا لعدم قدرة الدولة على رفع أسعار الفائدة مرة أخرى –حيث كان مطلبا للعديد من المؤسسات المالية- وفى ظل ارتفاع تكلفة الفوائد الحالية على السندات التى تم إصدارها من قبل… ولاسيما وأن تكلفة الفوائد بتاكل %37 من موارد الموازنة..
وأرى اليوم أكبر بنكين فى مصر (الأهلى ومصر) يقترضان بالدولار لتلبية السوق المحلى من الدولارات.. مليار للأهلى و500 مليون لمصر.. وهو مؤشر على عدم تحسن الموارد الدولارية من المصادر التى ذكرناها ولاسيما الاستثمار خارج نطاق البترول والطاقة اي فى مجالات الصناعة والزراعة والخدمات.. وهو ما قد يخلق ضغوطا على الدولار مستقبلا..
يعنى تقارير المؤسسات الدولية «كدة زي اللى بيقولك بالبلدى انت حلويت شوية بس فى شوية حاجات وحشة لازم تصلحها والا هتلاقينى بارجع فى كلامى معاك.. «يعنى خستلك 5 كليو حلوين بس فاضل يا حلو 20 كيلو لسه على رأي دكتور الرجيم»..عشان الصحة تتعدل»..
اذا لا بديل عن زيادة الاستثمار المحلى والاجنبى ليصل إلى 25-%30 من الناتج المحلى الاجمالى.. وزيادة الصادرات إلى 30-40 مليار دولار سنويا والوصول بعائدات السياحة إلى 15-20 مليار دولار سنويا.. ليه؟ عشان أقدر أسدد وأصرف.. غير كدا انسى..
ودا معناه تكاتف كافة الوزارات واجهزة الدولة (من أكبر رأس فيها إلى أصغر موظف) بالتعاون مع القطاع الخاص لتحقيق هذه الأهداف.. ايد لوحدها مابتسقفش.. الكل يعمل من أجل الاستثمار والتشغيل والإنتاج والتصدير وجذب السياحة..
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..