بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى بمجموعة “أليانز”
رغم تراجع الليرة التركية بأكثر من 10% يوم الخميس قبل الماضي وحده، تنحت تركيا جانبا، لتحل محلها الأرجنتين كصاحبة أسوأ العملات أداء في الأسواق الناشئة العام الحالي.
وهذا حدث لدولة يبدو أنها فعلت كل الأشياء الصحيحة المطلوبة لمكافحة التوترات المالية الخطيرة.
وعكس تركيا، التزمت الأرجنتين بكتيب إدارة الأزمات في الأسواق الناشئة فيما يتعلق بالتعامل مع الاضطرابات المالية، ويسلط ذلك الضوء على كيف أن الاعتبارات الفنية والسيولة تحرك هذا القطاع من السوق، وهو أمر ضروري للمستثمرين الذين يدرسون ماذا يفعلون ومتى؟.
وفي وقت سابق من العام الحالي، فاجأت الارجنتين، كثيرين من خلال الإعلان عن لجوئها إلى صندوق النقد الدولي لمساعدتها في مكافحة الضغوط المعتدلة على العملة، وسعت الحكومة للتعامل المبكر مع مزيد من المشكلات من خلال تشديد السياسة النقدية والسياسات المالية، وهو ما ضمن لها صرف أول دفعات من البرنامج البالغ قيمته 50 مليار دولار مع صندوق النقد.
وما يضيف على اللغز، الانخفاص الحاد في قيمة البيزو الأسبوع قبل الماضي والتراجع بنسبة 4% يوم الاثنين الماضي في سياق رفع البنك المركزي أسعار الفائدة مجددا بنسبة 15%، لتصل إلى نسبة مذهلة عند 60%.
وأوضح الرئيس ماكري أنه سأل صندوق النقد الدولي، تقديم دعم إضافي، ورحبت رئيس الصندوق، كريستين لاجارد، بإعادة هيكلة البرنامج مع الأرجنتين.
وبدلا من أن يستقر البيزو، استمرت خسائره إلى أكثر من 50% في الأشهر الثمانية الأولى من 2018، وهي نسبة تراجع تقترب منها فقط العملة التركية من بين عملات الأسواق الناشئة الأكثر تداولاً نسبياً، وتحاول تركيا إعادة كتابة فصل إدارة الأزمات في الأسواق الناشئة من خلال استبعاد رفع أسعار الفائدة وتدخل صندوق النقد الدولي.
وتشير هذه المقارنة البسيطة إلى قضية مهمة للمستثمرين في اﻷسواق الناشئة.
فبينما، لعبت الأسس الاقتصادية الضعيفة، مثل النمو البطئ والاعتماد المفرط على الديون الخارجية، دورًا مهمًا في الكشف عن المجالات الضعيفة في الأسواق الناشئة مع تضييق السياسات المالية العالمية وارتفاع الدولار، فإن ما نشهده الآن هو بالتأكيد ظاهرة تتعلق بالسيولة والجوانب الفنية بما في ذلك البيع الجبري وجفاف السيولة في بعض فئات الأصول.
ويتمثل السؤال الكبير الذي يواجه المستثمرين – سواء كانوا يتطلعون إلى الحفاظ على مستوى استثماراتهم في الأسواق الناشئة أو تقليصها أو زيادتها – في مدى الألم الذي ستعاني منه الاقتصادات الناشئة وأسعار الأصول نتيجة الأوضاع الفنية السيئة ونقص السيولة، وهو ما يثبط معنويات المستثمرين أكثر.
ويغري التراجع في أسعار الأصول والعملات، المستثمرين نحو الاستثمار في هذه الفئة من الأصول، وبالفعل فإن إضافة بعض هذه الأصول من شانه تعزيز أرباح المحافظ التي تستثمر بشدة في سندات الشركات عالية العائد وذات التصنيف الائتماني المرتفع.
وعندما يفكر المستثمرون في هذه الاسترتيجية يتعين عليهم إعداد نفسهم لتحمل مخاطر التقلبات العالمية المرتبطة بعاملين، الأول أن المؤشرات القائمة على السوق تشير إلى أن كميات هائلة من الأموال المستثمرة في أصول الأسواق الناشئة ستظل عالقة في الاستثمارات التي لا تتم عبر المؤشرات المعروفة للأسواق الناشئة والتي ستخضع للخسائر السوقية الكبيرة، ومخاطر السمعة.
وهذه الأموال العالقة ستستفيد على الأرجح من أي تطور محبب في السيولة أو الأسعار حتى تتحرر وتتدفق خارج الأسواق الناشئة، وهذا يعني أن أي انتعاشة في الأسعار ستكون قصيرة الأمد، وهو ما سيجعل المستثمرين طويلي الأجل ينتظرون جانبا حتى تنتهي هذه الظاهرة.
والثاني، فإن الأداء السيء لصناديق الاستثمار في الأسواق الناشئة بالعملات المحلية (وفقا لشركة “مورنينجستار”، بلغ متوسط خسائر هذه الصناديق 10% حتى الآن من العام الحالي، حتى ان بعض الصناديق الأكبر شهدت خسائر اكبر) سيؤدي على الأرجح إلى ضرر هيكلي لفئات الأصول تلك، ويجب أن يتوقع المستثمرون أن تتضاعف التأثيرات غير المرغوبة نتيجة التدفقات الخارجة عبر القطاع من خلال خروج أكثر المستثمرين حرصا على الاستثمار في الأسواق الناشئة.
وعلى الأرجح ستنطبق هذه الاعتبارات بشكل أكبر على تركيا، حيث تشكل الأسس الاقتصادية مشكلة كبيرة، كما تشير إلى خطورة أوضاع الاقتصادات الناشئة الهشة الأخرى مثل إندونيسيا والمكسيك، ولن يكون مفاجئا أن تعاني خلال الشهور القليلة المقبلة، مزيدا من موجات العدوى الفنية والبيع بشكل عام من المستثمرين الذين يعانون من نقص السيولة قي أسواقهم أيضا.
والأنباء الجيدة بشأن الاختلالات الفنية واضطرابات السيولة، هي أنهم عادة يتبددون بشرط احتواء التشوه العام في الأسس الاقتصادية، كما أنهم يقدموا للمستثمرين الفرصة لجني المكاسب ليس فقط من الارتفاعات الحادة للأسواق وإنما أيضا نتيجة شراء أصول أسماء كبيرة بأسعار منخفضة للغاية.
ومع ذلك، فالتوقيت حاسم خاصة بالنسبة للمستثمرين الذين ليس لديهم القدرة الهيكلية على الابحار في سوق مرتفع التقلبات، ولا يبدو أن موجة البيع الحالية في الأسواق الناشئة سوف تنتهي قريبا رغم الانتعاشات المؤقتة التي تتخللها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر:صحيفة “فاينانشيال تايمز”