بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لمجموعة «أليانز»
ينبغى أن يؤدى أى درس إلى تغييرات ذات معنى من قبل الأفراد والمؤسسات، وهكذا الحال فى السنوات العشر الماضية، منذ أن دفعت الأزمة المالية الاقتصاد العالمى إلى فترة مطولة من الركود الذى دمر حياة جيل على الأقل، ولكن توجد، أيضاً، دروس لاحقة لم يتم استيعابها بالقدر الكافى، وبعض الدروس لم تكن واضحة فى وقت الأزمة ولكنها الآن ملحة ومهمة.
وفيما يلى ملخص لإنجازات ما بعد الأزمة، والمهام غير المستكملة والتداعيات غير المقصودة:
* الإنجازات: أولاً، نظام مصرفى أكثر أمناً
لم تعد البنوك تشكل خطورة نظامية رئيسية فى الدول المتقدمة، خاصة فى الولايات المتحدة بفضل تعزيز الاحتياطيات الرأسمالية، والتعامل المسئول بقدر أكبر مع الميزانيات، والإدارة الأفضل للسيولة، ولكن هذا لا يعنى أن كل دولة وكل بنك آمن، ولكن النظام بأكمله لم يعد يمثل “كعب أخيل” للاقتصادات القائمة على السوق.
ثانياً، نظام دفع وتسوية أكثر قوة:
تحسين النظام المصرفى كان جزءاً من مجهودات أوسع وناجحة للغاية لتقليل مخاطر «التوقف المفاجئ» فى آليات الدفع والتسوية والذى ينتج عن فقدان الثقة فى النظراء ما يؤدى إلى تجميد أبسط العمليات المالية وشلل التفاعلات الاقتصادية.
ثالثاً، التعاون الدولى الأكثر براعة:
سلطت الأزمة الضوء على أهمية المناهج الأفضل ليس فقط تجاه إدارة الأزمة، وإنما أيضاً تجاه الوقاية منها، وعلى رأس «قائمة المطلوب فعله» توجد خطوات مثل التنسيق الأكبر للرقابة، وتعزيز التنظيمات، والمشاركة الشاملة للمعلومات فى الوقت المناسب، والتركيز الأكبر على تحديات الإشراف على البنوك الناشطة دولياً؛ حيث تمكنت دول فردية من وضع مجموعة أوسع من الرؤى لدعم مجهوداتها التحوطية الكلية والجزئية على حد سواء.
* المهام غير المكتملة:
أولاً، صعوبة تحقيق النمو الشمولى
استغرق الأمر وقتاً طويلاً من الساسة فى العالم المتقدم؛ لكى يدركوا أن الركود الكبير الناتج عن الأزمة المالية العالمية كان له مكونات هيكلية ومطولة، وأعاقت العقليات التى تركز بشكل مفرط على الدورات الاقتصادية تصميم وتطبيق التدابير المطلوبة لتوليد نمو عال وشامل، وعندما تطورت العقليات، ضاقت المساحة السياسية للتنفيذ، وحتى اليوم، لا يزال ينبغى على معظم الدول المتقدمة تبنى تدابير لتعزيز النمو الحقيقى بشكل مستدام وتمنع الضغوط الهبوطية من التأثير على التوسع المحتمل.
ثانياً، الحوافز الداخلية فى غير موضعها:
من منظور الأحداث التى تصدرت عناوين الأخبار بشأن السلوكيات والعمليات غير الصحيحة فى السنوات الماضية، نجد أن سياسة العصا والجزرة داخل بعض المؤسسات المالية بحاجة إلى الإصلاح، ولا تزال هذه المؤسسات تحوى قدراً من التحمل غير المناسب للمخاطر وغيرها من السلوكيات الخاطئة، بالإضافة إلى دفع مكافآت للمدراء التنفيذيين على أدائهم على المدى القصير، والتجاهل الإدارى للتصرفات التى تمثل خيطاً رفيعاً بين النشاطات المسموحة وغير المسموحة.
ثالثاً، ندرة الميزانيات العمومية «الصبورة» للبنوك المركزية:
كان وضع الأوراق المالية المتضررة فى ميزانيات عمومية منفصلة أمراً رئيسياً لاحتواء الاختلالات المالية الضخمة، ولكن هذا تضمن الاعتماد على الميزانيات العمومية الهائلة للبنوك المركزية، وهو ما أثار الاستياء الاجتماعى والسياسى، وأدت المخاوف بشأن الآثار المترتبة بما فى ذلك تفضيل تكديس الأرباح بدلاً من زيادة الأجور، ومحاباة «وول ستريت» على الاقتصاد الحقيقى، والاغنياء على حساب الفقراء، إلى تقلص إمكانية توافر هذه الأدوات لاستخدامها فى الأزمات المستقبلية.
* التداعيات غير المقصودة: أولاً، الكبير أصبح أكبر والبسيط أصبح أكثر تعقيداً:
رغم أن التقدم المحرز تضمن كيفية التصرف عندما ينهار بنك خاصة إذا كان كبيراً، فإن هيكل السوق الذى ظهر بعد الأزمة المالية يشمل مؤسسات أكبر بكثير، خاصة المؤسسات الواقعة فى أمريكا، وتكررت نفس ظاهرة الكبير أصبح أكبر بقطاع إدارة الأصول، وكان هذا على حساب الشركات المالية متوسطة الحجم، أما المؤسسات الصغيرة فتمثل بشكل متزايد شركات التكنولوجيا المالية «فينتك» والتى لم تُختبر أثناء فترات الركود الدورية.
ثانياً، تحولت المخاطر وهاجرت إلى المجالات غير المنظمة بقدر كاف:
ويرتبط هذا التغير فى هيكل السوق بظاهرة أخرى، وهو تحول المخاطر وهجرتها إلى المؤسسات غير المصرفية، وهذه الآلية واضحة بشكل خاص فى مدى الوعود المبالغ فيها بالسيولة نتيجة وفرة السيولة العالمية والتقلبات المنخفضة على غير المعتاد، وجزء من ذلك تغلغل فى بنية النظام من خلال انتشار المنتجات «مثل صناديق المؤشرات» التى تعد بسيولة فورية بقطاعات من السوق تخضع لنقص متكرر للسيولة.
ثالثاً، نقص المرونة السياسية:
أصبحت أدوات السياسة النقدية المتاحة للاستخدام فى حالة الأزمات محدودة بالنظر إلى أن أسعار الفائدة لا تزال عند صفر أو أقل فى معظم العالم المتقدم باستثناء الولايات المتحدة، وميزانيات البنوك المركزية كبيرة بالفعل، كما أن مستويات الديون أعلى بكثير من قبل الأزمة المالية العالمية، وهذا يشير إلى أنه حتى إذا كان هناك إرادة سياسية كبيرة، فقد تضاءلت القدرة على إدارة الأزمة والتعافى مقارنة بعشر سنوات ماضية.
ومن عاصر منا الضربة الأولى للأزمة المالية العالمية، وأدار أصولاً والتزامات فى القطاع الخاص خلال فترات التقلبات الاستثنائية، فقد شاهد عدم يقين غير مسبوق حول ما كان لا يخطر على بال من قبل إلى واقع، ونحن بالفعل ندرك قدر ما تم فعله لمنع المواقف الصعبة من تدمير الأجيال الحالية والمستقبلية، وندرك أيضاً الخطوات المهمة التى تم اتخاذها لتقليل احتمالية وحدة أزمة مالية عالمية أخرى.
ولكن هذ لا يعنى أن كل شىء على ما يرام، ولا يزال هناك حاجة لمجهودات أخرى من قبل القطاعين العام والخاص للتعامل مع التحديات العالقة التى لم تحظ بانتباه كاف فى أعقاب الأزمة، ولفهم ومعالجة التداعيات غير المقصودة الرئيسية بعد 10 سنوات من إدارة الأزمة ومحاولات الوقاية من غيرها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»