بقلم/ محمد العريان، مستشار اقتصادى لمجموعة “أليانز”
بعد الضغوط السياسية الكبيرة، قامت البنوك المركزية بردة فعل دفاعية متعددة الأوجه، رغم أنها غير منسقة، لكن مقاومتها قد تبدو مجرد انقلاب قصير لظاهرة سياسية قد تكتسب مزيداً من الزخم مرة أخرى، خصوصاً إذا استمر عدم تحقق النمو المرتفع والشمولى فى العديد من الدول.
وتخضع سياسات البنوك المركزية لهجوم سياسى في الدول الناشئة والمتقدمة، وأصبحت الحكومات، خصوصاً فى تركيا وروسيا، أكثر تدخلاً فى سياسات المؤسسات النقدية، وفى الولايات المتحدة، انتقد الرئيس دونالد ترامب، “الاحتياطى الفيدرالى”، لرفعه أسعار الفائدة.
وفي أوروبا، يدافع رئيس “المركزى الأوروبى”، ماريو دراجى، وزملاؤه فى المجلس الإدارى بشكل متواصل عن مشترياتهم واسعة النطاق للأوراق المالية وحفاظهم على أسعار فائدة سلبية.
وليست فقط سياسات البنوك المركزية هى من تخضع للانتقاد، وإنما أيضاً الترتيبات القانونية والمؤسسية التى تحمى استقلال عملياتها وممارساتها.
وتقدم جنوب أفريقيا مثالاً حياً فى هذا الصدد، إذ اضطر البنك المركزى مراراً لمقاومة التحديات لهيكل الملكية الخاص به، بالإضافة إلى مسئولياته وأدواته.
وفى بريطانيا، خضع محافظ البنك المركزي، مارك كارني، للانتقاد بسبب بعض أعضاء البرلمان لإعرابه عن رأيه بشأن سيناريوهات خروج بريطانيا المختلفة.
ولكن يبدو أن مجتمع البنوك المركزية قاوم بنجاح هذه الضغوط الأسبوع الماضى، وبعد ساعات من وصف الرئيس التركى، رجب طيب أردوجان، أسعار الفائدة بأنها “أداة للاستغلال”، رفع البنك المركزى أسعار الفائدة إلى 24% من 17.75%، وهى خطوة فاقت جميع توقعات السوق.
كما فاجأ البنك المركزي الروسي الأسواق برفع الفائدة رغم ضغوط الحكومة الضمنية والواضحة لتخفيضها، وفي الولايات المتحدة، يواصل المسئولون فى “الفيدرالى”، تقديم حججهم لتشديد السياسات النقدية.
وأخيراً في بريطانيا، خاطر كارنى بإثارة غضب بعض الوزراء مجدداً من خلال إطلاق تحذير “مخيف” بشأن الفوضى الاقتصادية التى ستنتج عن الخروج غير المنظم لبريطانيا.
ومن المغرى، أن نفكر في هذه الأفعال على أنها تحول فى اتجاه التدخل السياسى الأكبر والحقيقى والمتواصل فى اختصاصات البنوك المركزية.
بمعنى آخر، ستنجح البنوك المركزية في مقاومة الضغوط التي ستتسبب في تآكل مرونة وفاعلية عنصر حيوي في جهاز صنع القرارات، ومع ذلك، قد تكون هذه النتيجة سابقة لأوانها.
وتواصل البنوك المركزية، مكافحة الواقعين المزدوجين للسياسات صعبة التفسير والدعم السياسي القليل إن وجد. ويصبح موقفها أكثر صعوبة عندما تجد نفسها مطالبة إما بمقاومة الضغوط الحكومية لتعزيز الطلب اصطناعياً (كما في حالة روسيا) أو “سحب المحفزات النقدية” في الوقت الذى تبدو فيه الحفلة المالية والاقتصادية في مراحلها الأخيرة (مثلما يحدث في الولايات المتحدة) أو تبني تحركات انكماشية كبيرة لمواجهة اضطربات العملة التي تهدد بأضرار واسعة، كما في تركيا.
وهناك أيضاً الضغوط المؤسسية الأوسع من الموجات والحركات الشعبوية المناهضة للقيادة، والتى يصاحبها فقدان الشعوب للثقة فى التكنوقراطيين وفى آراء الخبراء بالعديد من الدول.
وبدلاً من اعتبار التحركات الأخيرة صحوة جديدة للبنوك المركزية، كان الأسبوع الماضى، على الأرجح بمثابة انحراف مؤقت عن المعتاد.
وحتى يتحقق النمو الأعلى والشمولى والاستقرار المالى الحقيقى ويصبح هو الوضع الطبيعى حول العالم وليس الاستثناء، فإن هذه المؤسسات الحيوية ستواجه ضغوطاً سياسية هائلة.
وبالنظر إلى أنهم وحدهم لا يستطيعون تحقيق التحسينات المالية والاقتصادية المطلوبة، فإن فعاليتهم وسمعتهم ستبقى تحت رحمة تصرفات وانتقادات الآخرين.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”