تراجعت البورصة المصرية بدرجة كبيرة ليصل حجم خسائرها إلى 1210 نقطة وهى أكبر خسارة منذ الأزمة المالية العالمية، وهو الأمر الذى يجعلنا كاقتصاديين فى حيرة، فنحن نعلم أن البورصة هى مرآة لاقتصاد الدولة، وقوة عملتها، فإذا ما تحسن أداء مؤشراتها الاقتصادية، سينتعش أداء البورصة وتصعد مؤشراتها، وإذا ما تأثرت سلباً المؤشرات الاقتصادية للدولة، نستطيع أن نقرأ ذلك من خلال هبوط مؤشرات البورصة.
والمؤشرات الاقتصادية المصرية تشهد حالياً تحسن إيجابى، إلا أن الأمر مختلف تماماً بالنسبة إلى مؤشرات البورصة، وهو ما جعلنا نتساءل عن الأسباب، هل هى أسباب داخلية أم أن هناك عوامل خارجية تضغط سلباً على مؤشرات البورصة المصرية؟
حقيقةً، هناك مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية تكالبت على البورصة المصرية، لتؤثر بالسلب على مؤشراتها، لن أذكرها جميعها إلا إننى سأركز على أهمها، فالأسباب الداخلية أرى أنها تتركز فى تناول القضية الأخيرة المتعلقة بالتلاعب في أداء البورصة، وهو ما يؤثر على مستوى النزاهة، ويعطى فرصة لإطلاق المزيد من الشائعات.
أما الأسباب الخارجية، فهى تتركز فى ارتفاع أسعار الفائدة فى عدد من الأسواق الناشئة، وهو الأمر الذى أدى إلى خروج العديد من الاستثمارات التي تبحث عن الأرباح السريعة، غير عابئين بمخاطر تلك الأسواق ذات الفائدة المرتفعة، والتى نلخصها في ترقب انهيار عملة تلك الدول.
فالسوق المصرى نعم ينتمى إلى الأسواق الناشئة، ولكنه فى مرحلة متقدمة منها، نظراً لانخفاض معدلات التضخم، وتطورات فى البيئة المؤسسية والتشريعية المحيطة بأداء البورصة، ومن ثم فهو سوق مؤهل لجذب المزيد من المستثمرين، وفى طريقه ليصبح أكثر نضوجاً وفقاً للمؤشرات الاقتصادية المحلية منها والعالمية.
لكن هل تلك الأسباب كفيلة بحدوث كل تلك الانهيارات؟ وهو الأمر الذى يجعلنا نتساءل ماذا حدث؟
أهو تلاعب حقاً بالأدوات الاقتصادية للسوق المصرية، أم أنها حرب جديدة تتعرض لها الدولة؟، فإذا كان الأمر كذلك فهى جريمة فى جميع الأحوال.
أم أن الأمر يمتد لما هو أبعد من ذلك ليضم محاولات الحد من انطلاق البورصات الناشئة؟ أهو صراع العمالقة والداخل بينهم مفقود؟.
فإذا ما أمعنا التفكير، فسنجد أن الحرب التجارية القائمة بين الصين وأمريكا قد يكون لها دور أيضاً فى انهيار بورصات الدول الناشئة، فالدول الكبرى لا ترغب في صعود منافسين، واقتصادات الدول الناشئة فى طريقها نحو الصعود لتلحق بركب الدول المتقدمة.
وهو الأمر الذى يتضح جلياً فى انهيار سوق تركيا تلاها سوق الأرجنتين ومصر، ومن المتوقع امتداد الآثار إلى سريلانكا وجنوب أفريقيا وأوكرانيا وباكستان.
لذا على الدول النامية أن تعى قواعد اللعبة، ولا تمل من محاولات الصعود، وتعمل على زيادة إنتاجها الصناعى وقيد شركاتها فى البورصة، فكلما كانت النسبة الأكبر من الشركات المقيدة فى البورصة من نصيب الخدمات، تصبح البورصة أكثر عرضة لمخاطر الانهيارات.
لذا ينقصنا التنوع في أنشطة الشركات المدرجة، والتوسع فى إدراج الشركات الإنتاجية، بحيث لا تكون الغالبية العظمى للشركات المدرجة هي شركات تنتمى إلى الأنشطة الخدمية، ومن ثم تصبح معرضة للانهيار السوقى الناتج عن آية أحداث داخلية أو خارجية، ينقصنا الإفصاح عن الخطط الاقتصادية المستقبلية للشركات المدرجة، بحيث نقفل الأبواب أمام آية تكهنات تستهدف العبث بمقدرات اقتصادنا.
وأؤكد على أن التعامل مع البورصة وموضوعاتها يجب أن يكون بمعيار الذهب، الكلمة بحساب، والتعليق محسوب، على ألا ننزعج من الهبوط، فتكمن فوائده فى شراء الأسهم المتوقع ارتفاع أسعارها المستقبلية، ومن ثم الصعود مجدداً.
فتلك هى قواعد اللعبة.
د/ شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادى