أنقرة تسجل أكبر فائض فى الحساب الجارى خلال أغسطس وسبتمبر
يبدو أن أزمة العملة المؤلمة التى عانت منها تركيا خلال الفترة اﻷخيرة، أعادت التوازن السريع لاقتصاد البلاد، فربما تكون تركيا حققت أكبر فوائض فى الحساب الجارى فى تاريخها، خلال شهرى أغسطس وسبتمبر الماضيين.
وانخفضت الليرة التركية بنسبة 38.4% مقابل الدولار اﻷمريكى منذ بداية العام الحالى، في ظل خوف المستثمرين الأجانب من معارضة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لزيادة أسعار الفائدة التى كانت ضرورية من وجهة نظر معظم الاقتصاديين للسيطرة على الاقتصاد المحموم.
وأوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن معظم الانخفاض فى قيمة الليرة حدث في أغسطس الماضى، ومع ذلك توجد علامات مؤقتة على أن هذا الانخفاض يؤدى إلى تصحيح سريع في رصيد الحساب الجارى التركى، الذى انخفض إلى عجز نسبته 5.5% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2017.
وأشارت البيانات الأولية، الصادرة مؤخراً عن وزارة التجارة التركية، إلى انخفاض العجز التجاري إلى 1.9 مليار دولار في سبتمبر الماضى، وبنسبة 77% عن الشهر ذاته من 2017 .
كما أن هذا الانخفاض يأتى بعد انخفاضات مماثلة على أساس سنوى، وصلت نسبتها إلى 59% في أغسطس الماضى، و33% فى يوليو، ومع ذلك، يعتبر من المهم، بالنسبة لصحة الاقتصاد التركى، الإشارة إلى وجود علامات على أن التصحيح لا يحدث فقط بسبب تخفيض المستهلكين والشركات التجارية حجم الواردات نظراً لارتفاع الأسعار.
وبينما انخفضت الواردات بنسبة 18% في سبتمبر، مقارنة بـ23% فى أغسطس، ارتفعت الصادرات بنسبة 23% لتسجل رقماً قياسياً مقداره 14.5 مليار دولار فى سبتمبر، مما أدى إلى ارتفاع نسبة تغطية الصادرات للواردات التركية إلى 88.4%، مقارنة بـ59.1% قبل 12 شهراً.
وقالت نورا نيوتيبوم، الخبيرة الاقتصادية فى شئون اﻷسواق الناشئة لدى بنك “إيه.بي.إن أمرو” الهولندى، إن التصحيح يبدو أسرع وأقوى مما توقعه الكثيرون.
وأشارت البيانات الصادرة عن جمعية المصدرين الأتراك إلى أن زيادة صادرات سبتمبر الماضى عملية واسعة النطاق، إذ شاركت فيها جميع القطاعات الرئيسية.
وارتفعت صادرات السيارات بنسبة 21% وفقاً للأساس السنوي لتبلغ 2.6 مليار دولار، وصادرات المنتجات الزراعية بنسبة 16.5% لتبلغ 1.9 مليار دولار، والملابس بنسبة 13.8% إلى 1.5 مليار دولار، فى حين ارتفعت صادرات الصلب بنسبة مذهلة عند 95% لتبلغ 1.4 مليار دولار.
وتعد الأرقام أحدث دليل على إعادة هيكلة سريعة للاقتصاد، فقد تراجعت مبيعات السيارات بنسبة 67% على أساس سنوى لتبلغ 17.595 وحدة فى سبتمبر. وانخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعى إلى أدنى مستوياته خلال العقد عند 42.7 بما يتفق مع الركود، حتى قبل بدء برنامج التقشف الشامل للتصدى للارتفاع فى تضخم أسعار المستهلكين إلى 24.5% وارتفاع تضخم أسعار المنتجين إلى 46.2%.
بالإضافة إلى ذلك، قدر تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في بنك “رينيسانس كابيتال” الاستثمارى، تسجيل تركيا فائض فى الحساب الجارى بقيمة 2.1 مليار دولار في أغسطس وسبتمبر، وهو أعلى بكثير من أى شهر آخر منذ أن بدأت سجلاته فى عام 1992، كما أنه الفائض التجارى اﻷول فوق أى وصف منذ ذلك المسجل فى أغسطس وسبتمبر من عام 2015.
وتستند هذه التوقعات إلى احتساب الفائض التقليدي في الخدمات في تركيا، خصوصاً فى أشهر الصيف عندما تكون السياحة واسعة النطاق وتدفق التحويلات المالية على رأس بيانات تجارة السلع.
وقال روبرتسون، إن العجز التجاري يتحسن في الأشهر التي تشهد سياحة كبيرة، وهذا العام شهد عدد السياح أكبر من أى وقت مضى.
وبينما لا يتوقع استمرار تركيا فى تسجيل فوائض شهرية مع اقتراب فصل الشتاء، قال روبرتسون، إنه يرجح انخفاض العجز الممتد لـ12 شهراً، والذى وصل ذروته عند 58 مليار دولار فى مايو الماضى، إلى نحو 6 مليارات دولار بحلول يوليو 2019.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن أى انتعاش ملحوظ فى الصادرات التركية يمكن أن تكون له تداعيات على المسرح العالمى إذا تم الحفاظ عليه، وفى الوقت الذى يتفق فيه ارتفاع الصادرات فى أعقاب انخفاض حاد في قيمة العملة تماماً مع النظرية الاقتصادية، إلا أنه يبدو أكثر صعوبة فى الواقع العملى.
وقالت غيتا جوبيناث، المستشارة الاقتصادية الجديدة في صندوق النقد الدولي، إن المكاسب الناتجة عن أسعار الصرف المرنة أقل مما يمكن اعتقاده.
وفي عام 2015، كتبت جوبيناث أن انخفاض سعر الصرف يُنظر إليه على أنه سبب في انخفاض سعر صادرات البلاد فورا في الأسواق العالمية، ومع ذلك لا يرجح أن يسير اﻷمر على هذا النحو بالنسبة للغالبية العظمى من الدول التي تصدر فواتير صادراتها بالعملة الأجنبية، مثل تركيا، وبالتالي لا يؤدي انخفاض قيمة العملة فى تلك الدول إلى زيادة حجم الصادرات بل إنه يزيد أرباح المصدرين.
ويتناقض هذا اﻷمر مع الوضع فى الولايات المتحدة، حيث تصدر 97% من فواتير الصادرات بالعملة المحلية، واستنتجت جوبيناث في النهاية، أنه من المرجح أن تكون تعديلات الميزان التجارى، من خلال التأثيرات السعرية النسبية، مدفوعة بالتعديلات في صادرات دول مثل الولايات المتحدة، بينما تكون مدفوعة بالتعديلات في واردات دول مثل تركيا.
واستنتج ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟى، في العام ﻧﻔﺴﻪ، أن أسعار اﻟﺼﺮف الضعيفة لا تفقد قوتها في تحفيز اﻟﺼﺎدرات اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ، مشيرا إلى البحث الذي وجد أن الانخفاض الفعلى في قيمة العملة ﺑﻨﺴﺒﺔ 10% أدى إﻟﻰ ارﺗﻔﺎع ﺻﺎﻓى اﻟﺼﺎدرات اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، وهي الصادرات مطروحا منها اﻟﻮاردات، بنسبة 1.5% من الناتج المحلي الإجمالى في المتوسط، ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺠﻢ ﻧﺼﻒ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛﲑ ﻋﻦ ارﺗﻔﺎع اﻟﺼﺎدرات، والنصف الآخر ﻣﻦ اﻧﺨﻔﺎض اﻟﻮاردات.
ومع ذلك، تتفق استنتاجات جوبيناث مع أبحاث البنك الدولى، التى وجدت أن تخفيض قيمة العملة أصبح الآن فعالا بمقدار النصف فقط فى تعزيز الصادرات كما كان اﻷمر في منتصف التسعينيات.
كما أنها تتفق أيضاً مع تحليلات الصحيفة البريطانية فى عام 2015 التى وجدت أن ضعف العملة لم يعزز الصادرات على الإطلاق فى العامين الماضيين رغم أنه أدى إلى انخفاض الواردات.