أدى التباين الكبير فى أداء مؤشرى التضخم خلال شهر سبتمبر الماضى إلى تضارب التوقعات حول الخطوة القادمة للبنك المركزى فيما يتعلق بأسعار الفائدة
وأعلن البنك المركزى اليوم عن تراجع معدل التضخم الأساسى، الذى يستبعد أسعار الخضر والفاكهة والسلع المحددة إدارياً، على أساسى سنوى إلى 8.5% فى سبتمبر الماضى مقابل 8.9% فى أغسطس، بينما جاء المعدل الشهرى بالسالب مسجلا نحو -0.6%.
فى الوقت نفسه أعلن جهاز التعبئة العامة والإحصاء عن أكبر زيادة لمعدل التضخم العام فى 8 شهور ليصل إلى 15.4% على أساس سنوى، بينما سجل التضخم العام الشهرى نموا 2.6%، مدفوعا بشكل أساسى بالارتفاعات الكبيرة فى أسعار الخضر والفاكهة.
وجاءت هذه الزيادة المفاجئة للتضخم بعد توقعات باحتمالية استئناف خفض اسعار الفائدة المرتفعة قبل نهاية العام أو مطلع العام المقبل على أقصى تقدير، فى ظل تحقق هدف البنك المركزى للتضخم بين 10 و16% قبل موعده.
لكن بعد ارتفاع التضخم العام أصبحت الرؤية أقل وضوحا، وبينما محللون إن خطة خفض الفائدة يجب أن تسير كما هى، يقول آخرون إن البنك قد يسير فى الاتجاه المعاكس وربما يلجأ حتى إلى رفعها.
معدل التضخم السنوى فى مقابل أسعار العائد على الإيداع والخصم لدى البنك المركزى
قالت مؤسسة أرقام كابيتال، إن هناك فرصاً متزايدة تصل إلى 30% لرفع أسعار الفائدة الأساسية على الجنيه خلال اجتماع السياسات النقدية المقبلة حال مواصلة معدلات الارتفاع وتخطيه 15.6% على أساس سنوى و 0.8% على أساس شهرى وذلك رغم انحسار التضخم الاساسى.
وأشارت إلى أن التضخم ارتفع على خلاف المتوقع فى سبتمبر لأعلى مستوى له فى 8 أشهر عند 16% وخالف توقعاتها التى كانت ترى أنه سيتراجع إلى 13.7% وذلك بعد ارتفاعه الشهرى بنحو 2.6% مقابل 0.6% توقعتها سابقاً
أوضحت انها عدلت توقعاتها ليرتفع التضخم على أساس شهرى فى أكتوبر 0.6% ليصل إلى 15.6% على أساس سنوى وينهى العام عند 15.9% فى أعلى منحنى مستهدفات البنك المركزى.
وذكرت أن تحرير أسعار الوقود العام المقبل فى ظل وصول برميل البرنت إلى مستويات 80 دولاراً ستبقى التضخم اعلى من 15% بحلول منتصف 2019 قبل أن يتراجع فى نهاية العام إلى 11.5%.
وتوقعت أن يستأنف البنك المركزى دورة التيسير النقدى فى النصف الثانى من 2019 مشيرًا إلى أن ارتفاع التضخم يهدد بخفض من 20 إلى 30% من استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة ويضع سعر الصرف الحقيقى تحت ضغط وذلك لأن هامش الفائدة الحقيقية يتخطى بالكاد المنطقة الموجبة.
استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة الحكومية مقارنة باكتتابات البنوك العامة.
لكنها أشارت إلى أن عجز الحساب الجارى تراجع إلى نحو 2.6% من الناتج المحلى الإجمالى العام المالى الماضى ما يؤكد أن الاقتصاد المصرى بدأ فى الاتزان وهو أقل من مستوى 3% الذى كان موجودا وقت نشوء أزمات الأسواق الناشئة.
وذكر التقرير أن سعر الصرف الحقيقى مازال اعلى بنحو 11% من متوسطاته على المدى الطويل امام الدولار و 3% أعلى مقارنة بسلة صادراته.
وخفض البنك المركزى أسعار الفائدة 2% فى الربع الأول من العام الحالى مع انحسار التضخم من ذروته البالغة 35.5% منتصف العام الماضى، وكان المتوقع أن يشهد العام الحالى مزيدا من التضخفيضات، لكن الاضطرابات التى شهدتها عملات الأسواق الناشئة وانسحاب جزء من استثمارات الأجانب فى محفظة الدين الحكومى أدى أرجأ هذه التوقعات.
وحاليا تبلغ الفائدة على الإيداع لدى البنك المركزى 16.75%، وكان البنك قد رفعها 7% فى الشهور الثمانى التالية لتحرير الجنيه فى خريف 2016.
وقال محمود المصري، الخبير الاقتصادى لدى شركة «فاروس» القابضة «مع وصول معدلات التضخم عند هذا المستوى، أصبح من المؤكد الآن أننا لن نشهد تخفيضا لأسعار الفائدة فى عام 2018 أو حتى فى الربع اﻷول من عام 2019».
ونقلت وكالة بلومبيرج عن “المصرى” قوله إن أسعار البترول آخذة فى الارتفاع على مستوى العالم، وربما تقوم الحكومة المصرية فى ضوء التطورات الاخيرة بتخفيض دعم الوقود قبل منتصف عام 2019، ما سيؤثر على مستوى التضخم.
وأضاف المصري: «كنا فى مرحلة يحتاج فيها البنك المركزى إلى الاحتفاظ بأسعار الفائدة، ولكننا ننظر الآن فى إمكانية رفع معدلات الفائدة».
لكن هناك من يعترض على وجهة النظر هذه ويشير إلى أن التغير فى التضخم خلال الشهر الماضى ليس كافيا لتغيير اتجاه السياسة النقدية فى الوقت الحالى.
وقالت المجموعة المالية هيرميس، فى تعقيبها على بيانات التضخم، إن توقع تأثير بيانات اليوم قد يكون مخادعًا، لأنه فى ظل أن البيانات تشير بوضوح شديد إلى غياب الضغوط التضخمية الضمنية، فى ظل تركزها فى عنصرى الخضراوات والفاكهة المتقلبين فقط، لكنهما فى الوقت نفسه أديا إلى ارتفاع معدل التضخم العام إلى أعلى مستهدفات البنك المركزى.
وقال محمد أبو باشا محلل الاقتصاد الكلى فى المجموعة، أن بيانات التضخم عن شهر أكتوبر هى التى ستحسم قرار الفائدة متوقعًا الإبقاء على المعدلات الحالية.
وذكر ان التباين بين معدلى التضخم العام والأساسى يؤكد غياب الضعوط الضمنية وضعف اثر الإصلاحات المالية الأخيرة على معدلات زيادة الأسعار.
وتعانى الحكومة من ارتفاع تكلفة الاستدانة التى تقترب بشدة من مستوى 20% على إصدارتها قصيرة الأجل، وهو ما يمكن أن يؤدى لإخفاق فى إحراز هدف خفض عجز الموازنة إلى 8.4% من الناتج المحلى.
وخصصت الحكومة نحو 38% من إيرادات الموازنة خلال العام المالى الحالى لدفع الفوائد على ديونها التى تقترب من 100% من الناتج المحلى الإجمالى.
وقالت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البحثية، إن مساهمة سلة الطعام والمشروبات التى تستحوذ على 40% من سلة أسعار المستهلكين ساهمت بنحو 100% فى معدل التضخم الشهرى، وارتفعت بنحو 16.5% على أساس سنوى أى أعلى بنحو 7% عن معدلات الشهرين الماضيين.
أضافت: «لكن رغم الدوافع الموسمية للتضخم وتراجع الضغوط الضمنية ربما يؤدى ذلك إلى تأجيل إضافى لدورة خفض أسعار الفائدة».
واستبعدت أن يلجأ البنك المركزى لتشديد السياسة النقدية فى ظل اكتساب التضخم زخمه عبر أسعار الخضروات والفاكهة، متوقعة تثبيت أسعار الفائدة الأساسية على الجنيه أو تخفيضها حال أظهرت بيانات التضخم عن شهر أكتوبر تراجع حاد فى معدل زيادة الأسعار.
وأكدت على رؤيتها بتراجعات كبيرة فى معدلات التضخم خلال الشهور المقبلة تسمح بخفض أسعار الفائدة على الإيداع لليلة واحدة من 16.75% حالياً إلى 11.25% بنهاية العام المقبل.