بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادى لمجموعة اليانز، ومؤسس صندوق “بيمكو” لإدارة الأصول
أجمع بعض مراقبى الصين، على المدى الطويل، أنه بعد مرور الصدمة الأولية يمكن للحكومة فى بكين ببساطة انتظار اتخاذ أمريكا سياسة تجارية أكثر تصادماً وانتهاء تأثيرها أيضاً، فرغم كل شىء، تسير القوة الآسيوية بلا منازع لتصبح أكبر اقتصاد فى العالم، كما أن الحكومة لديها عادة قديمة فى اتخاذ منظور بعيد المدى لمواصلة تحقيق النمو وخلق الفرص والازدهار لمواطنيها بدهاء.
ولكن يوجد اختلاف مهم هذه المرة، وإذا لم يصاحب الموقف الاستراتيجى التقليدى طويل الأجل للصين نهج تكتيكى مختلف على المدى القصير، فستخاطر الدولة بإحداث ضرر كبير لتقدمها وآفاق ازدهارها.
وتعد الصين واحدة من الدول القليلة التى لديها تتابع طويل نسبياً من القادة القادرين على دمج ثلاثة مناهج سياسية ضرورية لاستدامة التنمية، وهى تحديد هدف أساسى طويل الأجل يخدم كدليل لبقية قطاعات المجتمع، واتخاذ خطوات ملموسة تجاه هذه الهدف حتى إن لم يكن صناع السياسية واثقين سوى من المجموعة الأولى من التدابير، وأخيراً الانفتاح على عملية التعلم المكثفة، والاستفاة السريعة والفعالة من الدورس، بما يسمح بتصحيح المسار فى الوقت المناسب.
وهذا النهج لم يكن فحسب مفتاح عملية التنمية المبهرة تاريخياً إن لم تكن غير المسبوقة، وإنما سمح للصين بالإبحار خلال مجموعة واسعة من الصدمات غير المتوقعة التى أعاقت الاقتصادات الناشئة الأخرى.
وبالفعل، يعد هذا النهج السبب الرئيسى وراء شعور بعض المراقبين الصينيين بأن أفضل استراتيجية هي ببساطة انتظار انتهاء فترة ولاية حكومة دونالد ترامب، بمعنى آخر مواصلة مقاومة الضغوط الأمريكية من خلال عدم تقديم أى تنازلات بشأن التجارة، والاستمرار فى فرض التعريفات والرسوم الانتقامية، والصمود أملاً بعلاقات أفضل فى المستقبل.
ويذهب البعض لأبعد من ذلك، مشيرين إلى أن الصين يمكن أن تواجه العقوبات الأمريكية من خلال التهديد بالتخلص من ممتلكاتها من سندات الخزانة، وهناك، أيضاً، من يجادلون بأن الصين لن تتمكن من التوصل لحل وسط حتى إن أرادت؛ لأن الحكومة تحتاج “لحفظ ماء وجهها” فى الموطن أو لأن حكومة ترامب لا تعرف حتى الآن ما تريد فيما يتعلق بالتنازلات.
وتوجد بعض المشكلات المتعلقة بهذه المجادلات، مثل أن الضغط على الصين سوف يزداد، ولن يظل ثابتاً، وأن الخطوة المقبلة قد تتضمن أكثر من مجرد إجراءات حمائية من قبل أمريكا، وإنما تتطلب نهجاً موحداً تجاه الصين من حلفاء أمريكا التقليديين.
وتخاطر، أيضاً، الصين بخسارة أكبر من أمريكا فى حال اشتدت التوترات التجارية، مثلما أصبح واضحاً بالفعل من المؤشرات الاقتصادية والسوقية الجزئية، كما لم يعد تهديد التخلص من أوراق الخزانة معقولاً بالنظر إلى وجود أصول أخرى يمكن أن تكون مخزناً مقبولاً للقيمة لدى الاحتياطى الصينى.
وعلاوة على ذلك، سيكون حل التوترات أكثر صعوبة مع تحول الجدل السياسى فى الولايات المتحدة من عرض النزاع التجارى كمجرد قضية ممارسات غير عادلة من قبل الصين إلى مسألة أمن قومى.
ويمكن أن تعوق هذه المشكلات عملية التنمية الصينية من خلال زيادة مخاطر أن تحبس الدولة فى فخ “الدخل المتوسط” الذى أحبط الكثير من الاقتصادات الناشئة الأخرى.
وبدلاً من انتظار مرور العاصفة، يستحسن أن تحذو الصين حذو كوريا الجنوبية والمكسيك وكندا، وتقوم بتنازلات للتوصل لتسوية مع الولايات المتحدة، ويمكن أن يستخدم رئيس الوزراء، شى جين بينج، اجتماعات مجموعة العشرين فى الأرجنتين، الشهر المقبل، لتقديم تنازلات لترامب ترتكز على ثلاث قضايا: تخفيف اشتراطات المشروعات المشتركة وغيرها من القيود التى تحد من حرية الشركات الأجنبية العاملة فى الدولة وتجبرهم على نقل التكنلولوجيا، والتعهد بالقيام بمجهودات واضحة لمكافحة سرقة الملكية الفكرية، واقتراح اتفاقات زمنية محددة بشأن واردات الطاقة والمواد الغذائية التى من شأنها تقليل الفائض التجارى الصينى مع أمريكا.
وسوف توفر هذه الخطوات احتمالية حقيقية لحل النزاعات التجارية، وستعطى الصين المزيد من الوقت لتقليل الاعتماد المتبادل بينها وبين الولايات المتحدة، ولتعزيز محركات نموها المحلية، وهو ما يعد واحداً من الأهداف الأساسية لاستراتيجية الصين طويلة الأجل.
ولن تحقق التنازلات نظرية الصين “الأول أفضل”، ولن تكون خالية من التكاليف والمخاطر، وإنما قد تكون أفضل خيار قابل للتطبيق أمام الحكومة لتجنب التهديد الأكبر المتمثل في رؤية تعثر عملية التنمية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”