بقلم: محمد العريان، مستشار اقتصادى لمجموعة أليانز، وأحد مؤسسى صندوق “بيمكو” للاستثمار
واجهت الأسواق الناشئة أحوالاً مالية أيسر فى الأسابيع الماضية بعد فترة من الضغوط الكثيفة، وتلى الشعور بمخاطر عالية من صدمة عامة عبر فئات الأصول، ارتياحاً ليس فقط بين المستثمرين، وإنما صناع السياسة فى الدول الناشئة والمتقدمة، وأيضاً المؤسسات الدولية.
وكان للتعديلات السياسية فى الدول الفردية تأثيراً مفيداً، إلا أن التغير الكبير كان فى البيئة الخارجية الأقل عدائية بدءاً من ضعف الدولار وانخفاض أسعار البترول إلى الأوضاع المالية الأيسر فى الاقتصادات الناشئة.
ولكن قبل الارتياح أكثر، يتعين على هذه الاقتصادات إدراك أن بعض الهدوء الخارجى قد يكون مؤقتاً وقابلا للانعكاس، ما يثير قضايا هامة تتعلق بأولويات السياسة.
وفى بداية سبتمبر الماضى، ارتفع الفارق فى العائد على سندات الأسواق الناشئة المقومة بالعملات الأجنبية إلى 406 نقطة مقارنة بـ288 نقطة فقط فى الأول من فبراير 2018 و311 فى أول العام وفقاً لـ”جى بى مورجان”.
ومع ارتفاع العائدات الأمريكية حيث ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 80 نقطة أساس منذ بداية العام، ازدادت تكاليف الاقتراض على الحكومات والشركات على حد سواء، ومنى المستثمرين بخسائر نسبتها 6% منذ عام وحتى الآن من فئة أصول تكون عادة هى الأقل تقلباً وهشاشة فى اﻷسواق الناشئة.
كما انخفض مؤشر “جى بى مورجان” لعملات الأسواق الناشئة لأدنى مستوى له العام الجارى فى بداية سبتمبر، فاقداً 19% تقريباً منذ عام وحتى الآن، وفى نفس الوقت تراجعت أسهم الأسواق الناشئة بنسبة 12% وفقاً لمؤشر “إم إس سى آى”، وتخلفت فى أدائها عن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 20%.
وكانت الأرجنتين واحدة من أكثر الحالات إشكالية، نظراً لخوضها مفاوضات مجدداً مع صندوق النقد بعد فشل الاتفاق الأولى فى بث الاستقرار فى العملة، أما العملة فى تركيا فقد هبطت من 3.8 ليرة للدولار فى أول العام إلى 6.7 تقريباً وظلت هشة.
ولكن هدأت التوترات منذ ذلك الحين، وانخفض متوسط الفارق فى العائد على السندات الخارجية بمقدار 50 نقطة أساس فى بداية أكتوبر ويقف حالياً عند 376 نقطة أساس، وحققت عملات الأسواق الناشئة نوعاً من التعافى، وارتفعت بنسبة 3%، وتوصلت الأرجنتين لاتفاق جديد مع صندوق النقد يتضمن إطارا سياسيا حيويا ودعما ماليا أكبر، ما يضع الأساس لارتفاع العملة، وأصبحت الليرة التركية أكثر قوة، وأنهت تعاملاتها الأسبوع الماضى عند 5.65 ليرة للدولار.
ومع ذلك ظلت أسهم الأسواق الناشئة تحت ضغط، وسجل مؤشر “إم إس سى آى” خسائر منذ عام وحتى 19 أكتوبر بنسبة 15%، ولا يزال أداؤه يتخلف عن “ستاندرد آند بورز” بحوالى 20%.
ولعبت التعديلات السياسية الفردية فى الدول الناشئة دوراً فى تغيير معنويات الأسواق والمستثمرين، وتضمنت رفع أسعار الفائدة لبث الاستقرار فى أسعار الصرف، وسياسات مالية أكثر تشدداً، ووعود إضافية بتبنى إصلاحات داعمة للنمو، ولجوء المزيد من الدول لصندوق النقد للحصول على الدعم المالى.
ويظل استمرار اتجاه التحسن سؤالا مفتوحا، خاصة وأنه وراء الهدوء تعززت 4 قوى توحى بتجدد قوة الدولار وارتفاع أسعار الفائدة:
الأولى، تباين النمو فى الأسس الاقتصادية بين الدول المتقدمة، وأدى تفوق الأداء الأمريكى إلى ارتفاع الفارق فى العائد بين سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات ونظيرتها الألمانية إلى مستوى تاريخى عند 270 نقطة أساس نهاية الأسبوع الماضى.
والثانية، تأكيد رئيس الفيدرالى، جيروم باول، على مساره العنيف فى رفع أسعار الفائدة مع اكتساب الاقتصاد الأمريكى المزيد من الزخم، وارتفاع التضخم.
والقوة الثالثة هى استمرار عدم اليقين بشكل النظام التجارى العالمى، والأخيرة تجدد المخاوف بشأن زخم الاقتصاد الصينى.
ولا تتضمن القائمة بعض المخاطر الأخرى التى حددها صندوق النقد والبنك الدوليين فى اجتماعاتها الأخيرة، مثل نقص المرونة السياسية ومستويات الديون القياسية، بجانب نمو التوترات بين الحكومة الإيطالية والمفوضية الأوروبية بسبب سياسة الموازنة.
وأفضل منظور ننظر به للأسواق الناشئة هو فى إطار مرورها بتغير فى النظام، أى التحول من الضخ الوفير والثابت والمتوقع للسيولة من قبل البنوك المركزية نحو عالم تقود فيه الأسس الاقتصادية الاقتصاد والأسواق ويميل نحو المخاطر الهبوطية، وهو تحول ليس سهلاً بالمرة، خاصة وأنه يزيد من مخاطر الأخطاء السياسية والتقلبات فى السوق.
وبدلاً من أن نأمل فى استمرار الهدوء بالأسواق، يجب أن تستعد الاقتصادات الناشئة لعودة المزيد من الضغوط الخارجية، ولهذه الغاية يتعين عليهم القيام بما يلزم لزيادة مرونتهم المالية ورشاقتهم الاقتصادية، وسوف تمتد الفوائد الناتجة إلى ما وراء الدول الفردية، وتقل مخاطر رياح العدوى المزعجة عبر ما يزال فنياً فئة أصول هشة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج