اعترف أنى وقعت فى فخ التفاؤل الشديد الذى نصبته بعض المواقع الإلكترونية حول معلومات غير دقيقة بخصوص ترتيب مصر فى مؤشر التنافسية العالمية لعام 2018، بينما الحقيقة أن ترتيبها سجل ارتفاعاً طفيفاً على خلاف بعض ما صورته بعض وسائل الإعلام بدافع “حب مصر”.
ومع ذلك فأنى أقر بأن مصر قد احتلت مراكز جيدة فى بعض المؤشرات الفرعية بما يعكس الجهود التى بذلتها الحكومة في تحقيق تقدم فى بعض المجالات بالمقارنة بدول أخرى فى ذات المرحلة التنموية.
فى هذا المقال سوف نعرض ملخصاً عن تقرير التنافسية العالمية، ومعايير المؤشر، ونشير إلى بعض المؤشرات الفرعية التى أحرزت مصر فيها ترتيباً جيداً، وتلك التى مازالت تعانى من صعوبات فى إحراز تقدم عبر السنوات الماضية، دعونا نبدأ بالأساسيات من أجل تمهيد الطريق لفهم أفضل للموضوع.
تقرير التنافسية العالمية هو تقرير سنوى ينشره المنتدى الاقتصادى العالمى منذ عام 2004. يصنف تقرير التنافسية العالمية الدول على أساس مؤشر التنافسية العالمية، حيث يمزج المؤشر بين الاقتصاد الكلى وجوانب الأعمال التجارية والاقتصاد الجزئى الداعمة للتنافسية فى مؤشر واحد.
وفقاً لتعريف المنتدى الاقتصادى العالمى، القدرة التنافسية الاقتصادية هى “مجموعة من المؤسسات والسياسات والعوامل التى تحدد مستوى إنتاجية الدولة”.
يتمحور هذا التعريف بصورة رئيسية حول الإنتاجية، فهى مهمة لأنها العامل الرئيسى الذى يدفع النمو وتحقيق مستويات أعلى للدخل حيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتحقيق الرخاء للأفراد.
فالتقرير يقيّم قدرة البلدان على توفير مستويات عالية من الرخاء لمواطنيها، وهذا بدوره يعتمد على مدى استخدام الموارد المتاحة، ولذلك، يقيس مؤشر التنافسية العالمية مجموعة المؤسسات والسياسات والعوامل التى تحدد مستويات مستدامة ومتوسطة الأجل من الازدهار الاقتصادى.
هكذا فإن ارتفاع القدرة التنافسية يعني زيادة الرخاء، كما يمكن الإشارة أيضاً إلى أن الاقتصادات التنافسية هي تلك التى من المرجح أن تكون قادرة على النمو بشكل أكثر استدامة وشمولا، مما يعني المزيد من الاحتمال بأن يستفيد كل فرد في المجتمع من ثمار النمو الاقتصادي.
يشير مفهوم التنافسية العالمية إلى أنه كلما تطور بلد ما، تميل الأجور إلى الزيادة، ومن أجل الحفاظ على هذا الدخل الأعلى، يجب أن تتحسن إنتاجية العمالة، لكى تصبح الدولة قادرة على المنافسة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يدعم الإنتاجية في بلد متقدم مثل الولايات المتحدة الأمريكية يختلف بالضرورة عما يدفعه في بلد نام مثل مصر، كما يشير المؤشر إلى أن تقدم الدول يتم قياسه من خلال 3 مجموعات أداء محددة تعتمد على العوامل المحفزة، والعوامل المرتبطة بالكفاءة، والعوامل تحركها الابتكارات.
يعتمد التقرير على منهجية خاصة للتقييم تشمل 12 ركيزة للتنافسية، وهى المؤسسات؛ البنية التحتية المناسبة؛ استقرار الاقتصاد الكلي؛ الصحة الجيدة والتعليم الابتدائي؛ التعليم العالي والتدريب؛ أسواق السلع الفعالة؛ أسواق عمل فعالة؛ تطوير الأسواق المالية؛ القدرة على تسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ حجم السوق – على الصعيدين المحلى والدولى، إنتاج سلع جديدة ومختلفة باستخدام عمليات الإنتاج الأكثر تطوراً؛ وديناميكية العمل والقدرة على الابتكار.
بالرجوع إلى تقرير مؤشر التنافسية العالمية لعام 2018، يتضح أن مصر حققت ارتفاعاً طفيفاً لترتيبها في المؤشر يقدر بنحو 0.4%، لتحتل المركز 94 من إجمالى 140 دولة، وهو نفس المستوي الذي حققته العام الماضى، مع الأخذ بعين الاعتبار تغير منهجية القياس لعدد من المؤشرات الفرعية.
هذا التغيير أدى إلى رفع تقييم مصر إلى المركز 94 مقارنة بالعام الماضي، حيث احتلت مصر المركز رقم 100 وفقاً لمنهجية التقرير السابقة.
حققت مصر نتائج جيدة في عدة مؤشرات فرعية، فقد تحسنت تنافسية حجم السوق إلى المركز 24، وكذلك بيئة الأعمال حيث احتلت المركز 97، وتحسن ترتيب مؤشر الابتكار إلى المركز 64. أما فى مؤشر البنية التحتية فقد احتلت مصر المركز 56، وهو أفضل أداء لها فى كل مؤشرات التنافسية، بعد تحسن الوزن النسبي لجودة الطرق وجودة خدمات القطارات وجودة الموانئ، وتحسن الاعتمادية على توفير المياه.
وأود أن أشير هنا إلى أن جودة واتساع البنية التحتية للنقل (الطرق، والسكك الحديدية، والمياه، والهواء) والبنية التحتية للمرافق العامة، تقلل تكاليف النقل والمعاملات وتسهل حركة السلع والأفراد، مما يؤدى إلى زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد، وهذا ما نحتاجه فى المرحلة القادمة.
وعلى الجانب الآخر، حققت مصر نتائج غير مرضية في بعض المؤشرات، على سبيل المثال، حلت فى المركز 135 فى مؤشر استقرار الاقتصاد الكلى، والمركز 127 فى مؤشر ديناميكيات الدين، والمركز 99 فى مؤشر الصحة، والمركز 121 في سوق السلع، والمركز 130 فى سوق العمل، والمركز 99 في التعليم والمهارات.
بعد هذا العرض، أعتقد أن هناك حاجة عاجلة للوقوف على الأسباب التي أدت إلى حصول مصر على مراكز متدنية فى مؤشر التنافسية العالمية.
بالقطع لا يمكن وضع أهداف متفائلة وغير واقعية عن خطط عاجلة للتغلب على العوائق التي أدت إلى هذه النتائج، لأنها بالفعل تحتاج إلى موارد مالية هائلة وفترة زمنية للإصلاح إلى جانب إرادة قوية للتغيير نحو الأفضل.
هل حقاً التغيير مستحيل؟ لا أعتقد ذلك، فأنا أؤمن بقوة أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.