بشراكم يا معشر المستثمرين. أزف إليكم فكرة مبتكرة لتنويع الاستثمار وجنى أرباح تفوق عوائد الاستثمار فى الودائع والشهادة البنكية، وكذلك الاستثمار فى بورصة الأوراق المالية. إذا كان لديك فائض من المال لا تتردد فى شراء البطاطس التى دفعت بفضل الاحتكار سعر الكيلو إلى أكثر من 15 جنيهاً. حقاً إنه استثمار جيد ربما ينافس تحويل المدخرات إلى الدولار!
بالقطع أنا أسخر بشدة من الأوضاع التى سببت الارتفاع الجنونى فى سعر نوع من الخضراوات الشعبية إلى حد يفوق قدرة الأسرة بسيطة الحال على تحملها. لذلك قررت أن أخوض تجربة جديدة فى استكشاف عالم الاحتكار، وحقيقة ما حدث مؤخراً فى أسواق الخضراوات، وما يجب فعله لمنع الممارسات الاحتكارية الضارة بالسوق حتى لا يتكبد المستهلك أعباء مالية هو فى غنى عنها خصوصاً فى ظل الارتفاع العام للأسعار وثبات مستويات الدخل.
دعونا نبدأ بالأساسيات. ما هو الاحتكار؟ الاحتكار هو وجود منشأة واحدة فى السوق، أو تاجر يسيطر سيطرة تامة على السوق ولا يوجد له منافس فيه. والمحتكر هو تاجر يسيطر سيطرة تامة على سلعة أو منتج ما، لا بديل لها، ولا حتى بديلاً قريباً من السلعة أو المنتج. يستطيع المحتكر أن يحدث تغييراً فى الأسعار لتحقيق أرباح هائلة. ويستغل الثغرات القانونية، أو ضعف الرقابة على الأسواق، أو ضعف العقوبات فى القانون؛ لكى ينشط بتجارته دون اعتبار لما قد يسببه من معاناة للمستهلك.
من الممارسات الاحتكارية البشعة أن يشترى تاجر السلع وقت الأزمات المعيشية والأوقات الصعبة. وقد جاء فى الحديث النبوى الشريف لعن ذلك والوعيد فيه. قال رسول الله صل الله عليه وسلم «لا يحتكر إلا خاطئ، وقال: من احتكر فهو خاطئ يعني: فهو آثم».
يرتبط الاحتكار فى الإسلام بالمضاربة على السلع وقت الأزمات، أى فى أوقات انخفاض العرض الكلِّى وزيادة الطلب، وهى الفترات التى تتسم بارتفاع الأسعار. وينهى الإسلام فى نفس الوقت عن استغلال حاجات الآخرين، وبيعهم حاجاتهم بأكثر من قيمتها المعروفة.
ما هى الحقيقة خلف أزمة أسعار البطاطس التى انتشرت مؤخراً، وهل مارس التجار أساليب الاحتكار لكى يتربحوا على حساب المواطنين؟ التفسير الرسمى على لسان وزير الزراعة يوضح أن مزارعى البطاطس تعرضوا لخسائر كبيرة فى العام الماضي؛ نتيجة انخفاض الأسعار، وترتب على ذلك أن المساحة المنزرعة بالمحصول قلت فى الموسم الأخير، فأصبح المعروض منها أقل نسبياً. كما أن أصحاب الثلاجات اشتروا محصول البطاطس من المزارعين فى نهاية موسم الزراعة بأسعار منخفضة حيث اشتروها بأسعار متدنية تتراوح بين 60 قرشاً وجنيهين للكيلو، ثم خزنوها بكميات كبيرة مما جعل المعروض يقل فى السوق تدريجياً، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشدة.
وبحسب تفسير الجمعية العامة لمنتجى البطاطس، تعرض مزارعو البطاطس لنكبة؛ بسبب تراجع أسعار الطن إلى 600 جنيه للطن أى 60 قرشاً للكيلو وكانت تباع فى الأسواق بجنيهين فقط للكيلو، ما جعل المنتجين يتعرضون لأزمات مالية، وقرر عدد كبير منهم عدم زراعتها لارتفاع تكلفة الفدان إلى أكثر من 50 ألف جنيه، علاوة على أن الظروف الجوية المتقلبة أدت إلى انخفاض إنتاجية الفدان إلى 10 أطنان للفدان الواحد، بالإضافة إلى أن تكلفة طن البطاطس عند تخزينها فى الثلاجة ألف جنيه للطن، وتشمل عمليات النقل والتفريغ والتعبئة والفرز وأجرة التخزين والجفاف والهدر لتصبح تكلفة الطن الإجمالية 6 آلاف جنيه.
إذن تتراوح أسباب الأزمة بين الممارسات الاحتكارية من جانب التجار، وارتفاع التكاليف المرتبطة بالزراعة والتخزين والنقل والتداول، وكذلك انخفاض الإنتاج؛ بسبب الظروف الجوية، وتعدد الوسطاء فى سلسلة تداول السلعة بدءاً من المزارع الذى هو الحلقة الضعيفة فى الإنتاج حتى تاجر التجزئة ومن ثم المستهلك.
أخيراً، ما هو المطلوب لحل هذه المشكلة. قبل البحث عن إجابة عن هذا السؤال يجب عدم تعامل الجهات المسئولة فى الحكومة مع الأزمة بأسلوب «إطفاء الحريق»، وهو الأسلوب السهل الذى يعتمد على التعامل مع الأعراض الناتجة عن الأزمة بدلاً من تشخيصها والوقوف على الأسباب، ووضع خطط عملية للقضاء عليها والتأكد من عدم تكرارها فى المستقبل.
يجب على الحكومة تحقيق التوازن بين مصلحة المزارع والتاجر والمستهلك، وأن تكون إجراءات الحماية – إن وجدت – معقولة ومؤقتة حتى لا تكافئ طرفاً على حساب الأطراف الأخرى. كما يجب أن تنظر الجهات المسئولة فى الحكومة إلى العوائق التى تسبب انخفاض الإنتاج وارتفاع التكاليف، وتعدد الوسطاء، وأن تجد حلولاً عملية لمعالجة هذه المشاكل. أما ضعف الرقابة على الأسواق فكما تعودنا فى كل الأزمات تنشط الجهود بالتزامن مع حدوث الأزمات واستفحال العواقب.
يجب أن تتبع الجهات المسئولة على الرقابة وضبط الأسواق نهجاً استباقياً لحل المشاكل بدلاً من أسلوب «إطفاء الحرائق».
اللهم قد أبلغت، فاشهد!