الاستعمار الجديد يميط اللثام عن الوجه الحقيقى للقروض الملوثة بدماء الشعوب، ولذا يجب أن نتعلم ونعرف: لماذا تحصل على القرض؟
نقرأ دائماً أن الدول الغنية تساعد دول العالم الثالث على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبنية التحتية، وفى هذه اللحظة تتعاطف مع الدول المانحة للقروض، ولم نفهم لماذا تستثمر وتمنح دول قروضاً لهذه الأهداف التى فى ظاهرها الرحمة وفى باطنها العذاب والاستعمار.
الحرب الدائرة الآن بين الصين وصندوق النقد الدولى فى منح القروض أظهرت النوايا على الملأ وتظهر كيفية اقتسام التركة العالمية بين الصين وصندوق النقد الدولى عن طريق نهب ثروات البلاد، وتكبيل تلك الدول بالديون؛ حتى يصل إجمالى الديون نسب مئوية تلتهم الناتج القومى الإجمالي، وهنا عندما تقع الفريسة تتم إدارة البلاد من خلال المستعمر الجديد؛ حتى تصل إلى نخاع الأمن القومى لهذه الدول.
أعلنت الصين مشاركة أكثر من ألف ممثل أفريقى عن أكثر من 600 شركة ومجموعة أعمال ومؤسسة بحثية فى فعاليات مؤتمر مديرى الأعمال الصينيين والأفريقيين، المعروف رسمياً باسم الحوار رفيع المستوى بين القادة وممثلى الأعمال الصينيين والأفارقة، وذلك خلال إطار سلسلة من المؤتمرات فى إطار قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصينى – الأفريقي.
السؤال: لماذا تهتم الصين وتمنح قروضاً لأفريقيا تفوق قروض صندوق النقد الدولى وبشروط ميسرة وفوائد بسيطة؟من أجل مساعدة أفريقيا على التقدم الاقتصادى والتنمية، أم خطة خبيثة للاستيلاء على ثروات هذه البلاد وتكبيلها بالديون وللعلم كل الاستثمارات فى البنية التحتية، وبعد ذلك تمهيد الطريق لسهولة الحصول على اقتصاديات هذه الدول بخطة سمتها «طريق الحرير الجديد».
إن الصين تمتلك عقولاً عبقرية تستغل حاجة أفريقيا للمال، ولذا تفتح باب القروض على مصراعيه لحماية الحكام من الانهيار الاقتصادي، ولكن الحقيقة هى أسواق لاستيعاب فائض للمنتجات الصينية ولزيادة حجم الصادرات الصينية إلى هذا السوق الذى يعد من أكبر الأسواق، وبالتالى المستفيد الأول والأخير الصين الغول الاقتصادى الذى دمر الذراع الاستعمارية لأوروبا وأمريكا «صندوق النقد الدولى».
وكشف الرئيس الصينى شى جين بينج، عن دعوة 2000 من الشباب الأفريقى لزيارة الصين، وتدريب ألف نخبة أفريقية، وتقديم 50 ألف منحة دراسة للأفارقة فى الصين، وتقديم 50 ألف رحلة دراسية حكومية، و50 ألف فرصة للمشاركة فى الدورات الدراسية والندوات.
التنين الصينى يريد أن يلتهم أفريقيا المنجم الغنى بالموارد الطبيعية التى لم تستغل، بل الأرض البكر التى لم تستخرج خيراتها لضعف الإمكانيات المادية والتكنولوجية، لذا ستصبح أفريقيا فى القريب العاجل المستعمرة الصينية الكبرى، هكذا الاستعمار الجديد بعيداً عن الجيوش العسكرية والأيديولوجيات الدينية، ولكن الهدف اقتصادى بحت، وتقول مقولة بسيطة «نحن نزرع فى أفريقيا لنجني»، وخلق اقتصاد بديل ولتكون الخامات والموارد الطبيعية وقوداً جديداً لضخ الحيوية فى ثانى أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة الأمريكية، لذا تريد أن تتفوق على أمريكا، وأعتقد فى عام 2030 ستكون الصين الأول اقتصادياً.
الذى دفع باقتصاد الصين الشعبية إلى التطور والنمو الاقتصادي، الموروث الشعبى والثقافى والحفاظ على الاشتراكية رغم كل المحاولات لتحويل الاقتصاد إلى الرأسمالية، ولذا كانت البداية الزراعة. هذا الطموح الصينى الأفريقى أزعج المستعمر الآخر وهو «صندوق النقد الدولى» الذى خسر كثيراً من المستعمرات؛ بسبب أن شروط منح القروض للدول النامية لا تراعى حقوق الإنسان والتركيبة المجتمعية لأى دولة اقترضت مليارات دولارية، بل هو البوصلة فى توجيه قروضه، ولذا يتحكم فى اقتصاد أى دولة تريد قروضاً تمنحه قبلة الحياة من خلال الشهادات والتصنيفات لتقديمها للمؤسسات المالية لمزيد من القروض بضمان صندوق النقد الدولى.
مديرة صندوق النقد الدولى تستغيث من الصين بعد ضرب صندوق النقد الدولى فى أفريقيا، وهنا حصحص الحق، وقالت الفرنسية كريستين لاجارد، إن «الصين تقوم ببناء جسر نحو المستقبل من خلال تعزيز التعاون الدولى، لا سيما فى مجال التجارة. وبالنيابة عن صندوق النقد الدولي، أناشد جميع الأطراف إزالة الحدة، وحل النزاعات التجارية القائمة، كون النظام التجارى الحالى لم يدمر بعد، ولتحقيق هذه الأهداف، نحن بحاجة إلى مزيد من التعاون الدولى على الأقل».
ويعتقد الباحث السياسى ألبرتو ليبرون، من معهد السياسة الاقتصادية الدولية التابع لجامعة بكين، أن الصين تحتاج إلى أسواق جديدة خارج الغرب، ويرجع ذلك إلى حد كبير لوضعها الداخلى الاقتصادى والأحداث الدولية: «فالصين تنظر إلى طريق الحرير الجديد باعتباره مشروعاً للصالح العام يخدم العلاقات الدولية، وهى مبادرة اقتصادية تمكن العديد من الدول الاستفادة منها، وهو ما يفيد بدوره الصين، فإذا ما أغلقت بكين أسواق الولايات المتحدة وأوروبا واليابان فأين ستصدر منتجاتها؟».
ولهذا بعد أن تمت قراءة ما سبق ستكون الحرب الطاحنة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى أوج قوتها، بعد أن سيطرت الصين، من خلال القروض، على مقدرات أفريقيا بسياسة جديدة ومختلفة عن أمريكا، لذا تجد وجه الاختلاف الوحيد أن الصين لا يعنيها التدخل السياسى والشأن الداخلى لهذه الدول، مما يجعل أنظمة الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط ترتمى فى أحضان جمهورية الصين الشعبية. بعد أن اعترف صندوق النقد الدولى بأن الصين استولت على مناطق استعماره أصبحت تطلب منه مراجعة المنافسة التجارية، لذا يجب أن تعلم كيف يدار اقتصاد العالم، ولم يفلت من هذا النظام إلا دول قليلة اعتمدت على مقدراتها ومواردها الطبيعية؛ لأن هذه الدول تعلم أن قروض صندوق النقد الدولى مشروطة يجب أن توجه لاستثمار لا يغنى ولا يسمن من جوع ولا يمثل نمواً اقتصادياً حقيقياً إلا فى عقول مسئولى الصندوق، وبالتالى مؤشرات النمو الاقتصادى شهادة من الصندوق وباقى المؤسسات الدولية السياسية، بل إن الصندوق يشترط تعويم عملة البلاد؛ لأنها تعلم أن اقتصاديات هذه الدول مسيسة فقط لن تعوم عملة لها ولكنها تغرق.
للعبرة فقط والتذكير يجب أن نعرف ماذا فعلت الصين لسيريلانكا عندما عجزت عن تسديد الديون، لذا نبدأ القصة من ترجمة لكاتب اقتصادى ماذا قال«.وتعد حالة ميناء سيريلانكا »هامبانتونا« المثال الرئيس لانتقاد السياسة الخارجية الاقتصادية للصين تجاه الدول النامية، فقد قام رئيس الحكومة السابق ماهيندا راجاباكشا بالحصول على عدة قروض من الصين لبناء البنية التحتية، لتتعثر بعد ذلك فى تسديد الحد الأدنى من الفائدة.
وقد تغيرت الحكومة السيريلانكية عقب إجراء انتخابات، وحاولت الحكومة الجديدة التفاوض بشأن الديون الضخمة التى ورثتها عن سابقتها. وفى النهاية تمكنت من تقليلها من خلال منحة للشركة الصينية.
فقد تم تخصيص أحد الموانئ فى سيريلانكا لإحدى الشركات الصينية بعقد امتياز لمدة تصل إلى 99 عاماً، وذلك فى مقابل تخفيض ديونها »مجلة إسجلوبال الإسبانية سبتمبر 2018» بقلم: خابيير بوراس..
فخ الديون هو طريق اقتصاد يركع تحت أقدام الدول المانحة والسؤال هل نعى الدرس ويكون جل استثمارات مصر فى التنمية الزراعية المستدامة.