“هى ناقصة غلا كمان، والله خلاص تعبنا”.. أتحدث بلسان رجل الشارع من الطبقة الوسطى الذى يلهث وراء توفير ضروريات الحياة فى مواجهة التضخم، الذى يعرفه العامة بغلاء الأسعار.
هذا الواقع الأليم يستغله بعض التجار مستغلين حجج مثل ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والغاز ليظل عندهم دافع مستمر لرفع الأسعار، وكأن الطبقة الوسطى وما دونها كُتب عليهم تحمل الجزء الأكبر من تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادى، بينما يأبى بعض التجار ورجال الأعمال وأصحاب المهن الحرة عن التخلى الطوعى عن تحقيق نسبة أرباح مرتفعة مهما كانت الظروف المعيشية الصعبة التى يعانى منها المواطن.
لنبدأ بالأساسيات.. التضخم فى أبسط تعريف متداول بين العامة هو غلاء الأسعار، بمعنى آخر، هو المعدل الذى يرتفع فيه المستوى العام لأسعار السلع والخدمات التى يحصل عليها المواطن، نظراً لانخفاض القوى الشرائية للعملة.
هذا التعريف البسيط يستثنى ارتفاع أسعار العقارات.، فالأسعار تتحرك تصاعدياً نتيجة زيادة الطلب على السلع والخدمات من جهة وثبات العرض من جهة أخرى، كما أن التضخم يمكن وصفه بأنه انخفاض فى قيمة النقد، حينئذٍ تفقد العملة قيمتها ويشعر المواطن بالغلاء.
أعلن البنك المركزى المصرى في مطلع هذا الأسبوع، أن معدلات التضخم الأساسية فى مصر، وفقاً لمؤشرات البنك المركزى على المستوى السنوى، ارتفعت إلى 8.86% فى شهر أكتوبر 2018، مقابل 8.55% فى شهر سبتمبر 2018. وبحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ارتفع معدل التضخم السنوي للشهر الثالث على التوالى، خلال أكتوبر الماضى وبلغ 17.5% مقابل 15.4% فى سبتمبر.
الواضح أن معدل التضخم خلال أكتوبر تجاوز توقعات البنك المركزى بسبب أسعار الخضراوات والفاكهة، ليس مزحة أن تكون أسعار البطاطس والطماطم هى عامل مهم فى حساب مؤشر التضخم!
دلونى على عاقل واحد يستطيع أن يشرح لي لماذا توحش الغلاء وطال كل شىء، على الرغم من أن الزيادة في معدل التضخم ليست كبيرة، وليس لها علاقة بالدولار، ولا الرفع الجزئى للدعم على المحروقات والكهرباء والغاز الذي مضى فترة عليه حيث أن الأثر التضخمى من المفروض أنه يتلاشى تدريجياً بمرور الوقت.
لم يرحم الغلاء – المقرون بالجشع في أحيان كثيرة – هموم رب أسرة لا يستطيع توفير طعام لأسرته ولا أم عاجزة عن شراء لبن لرضيعها ولا عجوز يئن تحت وطأة المرض ولا يجد الدواء، ناهيك عن ارتفاع فاتورة الكهرباء والمياه والغاز وتكلفة المواصلات.
يشكل الفقر جنباً إلى جنب مع مشكلة التضخم بُعد آخر للمعاناة التى يتحملها المواطن المصرى، وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فقد ارتفعت نسبة الفقر إلى 27.8% وبلغت نسبة الفقر المدقع 5.3% فى المجتمع المصرى، ودلالة هذه النسب هى انضمام شريحة من الطبقى الوسطى إلى طبقة الفقراء وأخرى هبطت إلى دائرة المعدمين.
تُعرف الطبقة الوسطى بأنها الطبقة التي تقع فى وسط الهرم الاجتماعى، وهى تقع بين الطبقة العاملة والطبقة العليا الثرية، كما يمكن تعريفها أيضاً بأنها الطبقة التى تضم مختلف الشرائح الاجتماعية التي تعيش على المرتبات المكتسبة فى الحكومة والقطاع العام ومن يعملون فى المهن الحرة الخاصة، وتنقسم إلى 3 شرائح، دنيا ووسطى وعليا.
ترجع أهمية الطبقة الوسطى لكونها صمام الأمان للمجتمع، وكلما زاد حجمها كلما شكلت مصدراً مهماً للاعتدال والأمن والأمان المجتمعى، فهناك ضرورة أكيدة، فى ظل الغلاء الفاحش وتزايد الحاجات، إلى وجوب الحفاظ على الطبقة الوسطى، لذلك يجب أن ننظر إلى مشكلة الغلاء وتأثيرها على الطبقة الوسطى بعيون مفتوحة، ولا يمكن تناولها بالتعليقات الطويلة، ولا بالعبارات الرشيقة، إنما بمنطق الحساب وبميزان الأرقام.
من الناحية العملية، لا تستطيع الحكومة فرض سيطرتها والرقابة على الأسعار الا فى حدود ضيقة وباستخدام آليات غير محكمة يصعب تنفيذها فى جميع محافظات مصر بشكل منتظم.
فهل من المقبول الآن مناقشة اقتراح أن تضع الحكومة تسعيرة استرشادية للسلع كحل مؤقت مع بذل مجهود أكبر فى ضبط الأسواق؟ هل من المعقول أن نرجع خطوات إلى الخلف لتطبيق قانون للتسعير الجبرى، وخصوصاً أنه كان لدينا القانون رقم 163 لسنة 1950 بشأن شئون التسعير الجبرى وتحديد الأرباح.
وفى الختام أود أن أشير إلى أن اللجوء فقط إلى القاء كامل العبء على الدولة لم يعد حلاً وحيداً لحماية مصالح المواطنين من جشع بعض التجار وغول الأسعار، فمؤسسات المجتمع المدنى ودور المواطن أصبح قوة إضافية للضغط على التجار الجشعين من أجل الالتزام بالأسعار العادلة.