من المرجح أن يؤدى عدم اليقين بشأن مستقبل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تغيير شكل التدفقات التجارية العالمية لسنوات مقبلة، مما يخلق رابحين وخاسرين فى آسيا حيث تتحول سلاسل التوريد من الصين إلى دول قد تكون معزولة بشكل أفضل عن تهديدات التعريفات الأمريكية.
وكشفت أبحاث وحدة الاستخبارات الاقتصادية “إى آى يو” التابعة لمجلة “ذى إيكونوميست” أن دول مثل فيتنام وماليزيا وبنجلاديش وتايلاند والهند سوف تستفيد من الحرب التجارية بدرجات متفاوتة من تحول الإنتاج خارج الصين فى صناعات مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسيارات والملابس.
ومع ذلك، فإن هذه المكاسب في قطاع التصنيع قد يقابلها تباطؤ محتمل في الطلب الصينى على السلع والخدمات من المنطقة، حيث أن التوترات في الحرب التجارية ستؤثر سلباً على الاقتصاد المحلى الصينى وفقًا لما قاله لويس كويجس، محلل الاقتصاد الآسيوى فى جامعة “أكسفورد”.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أنه من حيث التحولات المتوقعة في سلاسل التوريد فمن المرجح أن يحدث الكثير من النشاط في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ويرجع ذلك جزئياً إلى حجم القطاع حيث يبلغ حجم واردات الولايات المتحدة من الصين حوالي 150 مليار دولار من إجمالي 526 مليار دولار في العام الماضى وهذه المنتجات كانت هدفاً رئيسياً للتعريفات التى أطلقتها واشنطن فى وقت سابق العام الحالى.
وحتى الوقت الراهن فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على واردات صينية بقيمة 250 مليار دولار ويبدو أنها قد حددت زيادة مستوى التعريفة الجمركية على 200 مليار دولار إلى 25%، مقارنة بنسبة 10% بداية من يناير المقبل.
وقال كويجز، إن إجراء تصعيد آخر للحرب التجارية ليس مستحيلاً، حيث أشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نهاية الشهر الماضى إلى أن إدارته كانت تستعد لفرض تعريفات أخرى على ما تبقى من الواردات الصينية والبالغة 250 مليار دولار.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الدوافع وراء الاتجاه الناشئ لتحويل القدرة الإنتاجية من الصين قد تتفاقم، وبالفعل أعلنت شركات يابانية مثل “نيديك” التى تقوم بتصنيع قطع غيار السيارات الإلكترونية ومجموعة “باناسونيك” الإلكترونية أنها تسعى لنقل الانتاج إلى جنوب شرق آسيا.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تقوم فيه الشركات الصينية بهذه الخطوات، حيث قالت شركة “جوير تك” التي تقوم بتجميع سماعات الأذن اللاسلكية لشركة “أبل” أنها تعتزم تحويل بعض إنتاجها إلى فيتنام.
وكشفت الأبحاث، أن فيتنام وماليزيا تستعدان لجذب حصة الأسد من قدرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تغادر الصين لسببين رئيسيين.
الأول هو أن سلسلة توريد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات موجودة بالفعل في هذه البلدان حيث تتمتع “سامسونج” و”إنتل” بحضور جيد في فيتنام بينما تتوسع شركات مثل “ديل” و”سونى” و”باناسونيك” فى ماليزيا.
والسبب الآخر يتمثل فى أن ماليزيا وفيتنام كلاهما موقعتان على اتفاقيات التجارة الحرة بما في ذلك الاتفاق الشامل للشراكة عبر المحيط الهادئ، والذي يضم المكسيك وكندا والعديد من الدول الآسيوية الأخرى ليس من بينها الصين.
ومع استعداد الولايات المتحدة للتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الشمالية المعدلة مع كندا والمكسيك في وقت لاحق من الشهر الحالى فقد توفر اتفاقية الشراكة الشاملة عبر المحيط الهادئ نقطة انطلاق للصادرات إلى الولايات المتحدة من دول مثل فيتنام وماليزيا والعديد من الدول الآسيوية الأخرى.
وبالنسبة لصناعة قطع غيار السيارات فإن دول مثل تايلاند وماليزيا ستكون المستفيد الرئيسى من التحول المتوقع في القدرات خارج الصين.
وبلغت صادرات الصين من قطع غيار السيارات 31 مليار دولار في عام 2017 وكانت حصة الأسد من نصيب الولايات المتحدة وهذا يعنى أنه سيكون هناك مخاطر كبيرة على السوق الصينى بسبب التعريفات.
وأوضحت وحدة الاستخبارات الاقتصادية، أنه في صناعة النسيج والملابس فإن البلدان المستفيدة ستكون بنجلاديش والهند وفيتنام.
ومع ذلك هناك مخاطر محتملة لهذا السيناريو أحدها هو أنه إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد أن دولاً مثل بنجلادش والهند تستخدم من قبل المصدرين الصينيين كمجرد قاعدة شحن مع القليل من القيمة المضافة فيمكن للجمارك الأمريكية أن تقرر التعامل مع مثل هذا الأمر من أجل محاربة استراتيجية “صنع فى الصين”.
“ومع ذلك أوضحت وحدة الاستخبارات الاقتصادية، أن هذا الخطر منخفض نسبيا لا سيما بالنظر إلى احتمال أن المزيد من سلاسل إنتاج الملابس سوف يتحول إلى مواقع خارج الصين.
ومع ذلك، فإن المنافع الناتجة عن التحول المحتمل في سلاسل التوريد إلى بعض البلدان الآسيوية يمكن تعويضها من التأثير العام على المنطقة من التباطؤ الناجم عن الحرب التجارية فى الطلب من الصين.
وأوضح كويجس، أنه في حالة حدوث مثل هذا التكثيف في التعريفات فمن المرجح أن يقل الناتج المحلى الإجمالى للصين بنسبة 0.6% فى عام 2018 و0.8% فى عام 2019.
وفى الوقت الذى يعد فيه الاقتصاد الصيني مصدرا كبيرا للطلب على العديد من الاقتصادات في آسيا فإن تباطؤ نمو بكين سيكون له تأثير ضار على جميع دول المنطقة.