عادة ما يعتبر البترول الخام الرخيص بمثابة نقطة قوية إيجابية للاقتصاد الأمريكى، فالانخفاض المفاجئ بأسعار البترول من شأنه خلق وفورات ضخمة للمستهلكين والشركات على حد سواء، فقد كان الأمر شبيهاً بالتخفيضات الضريبية الكبيرة، هذا فضلاً عن أنه لا يلحق أى ضرر بمستويات العجز الفيدرالى.
ومع ذلك، غيرت طفرة البترول الصخرى تلك المعادلة منذ ذلك الحين، فالولايات المتحدة اليوم لم تصبح أكبر مصدر للبترول فقط، بل إنها قفزت أيضاً إلى قمة قائمة منتجى البترول، ليتجاوز الإنتاج الأمريكى مؤخراً إنتاج السعودية وروسيا للمرة اﻷولى منذ عام 1973.
وأوضحت شبكة “سى إن إن” اﻷمريكية، أن هذا اﻷمر يعنى وجود عواقب سلبية كبيرة ناتجة عن سوق البترول الهبوطى بشكل كبير رغم دعوات الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب لخفض اﻷسعار.
ويهدد انخفاض أسعار البترول بالقضاء على الوظائف والدخول فى أزمة سيولة نقدية والحد من الإنفاق على الأعمال، وهى أمور مشابهة لما حدث من قبل بين عامى 2014 و 2016، حيث تسبب انهيار أسعار البترول فى انخفاض أعداد الوظائف بمقدار مئات الآلاف بجانب عشرات حالات الإفلاس.
وكتب إيان شبردسون، الخبير الاقتصادى لدى “بانثيون ماكرو إيكونوميكس”، للعملاء خلال الأسبوع الماضى، إن الولايات المتحدة تستجيب الآن لانخفاض أسعار البترول وكأنها عضو فى “أوبك”.
وأوضح أن الرئيس اﻷمريكى يتجاهل الواقع الجديد عندما يدعو إلى انخفاض أسعار البترول، وتراجعت أسعار البترول الخام بنسبة 22% فى نوفمبر الماضى، مسجلة أسوأ شهر لها منذ أكتوبر 2008.
ورغم هذا الانهيار فى اﻷسعار، ضغط ترامب مراراً على منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” والسعودية لزيادة الإنتاج لتحقيق التوازن فى السوق، ومع ذلك، من المتوقع أن تنظر “أوبك” وروسيا جدياً فى خفض الإنتاج باجتماع المنظمة المرتقب الخميس المقبل فى مدينة فيينا.
وبالطبع، لم يكن الانخفاض فى أسعار البترول على نفس مستوى التراجع الأخير، كما أن ملايين اﻷمريكيين يتمتعون بمكاسب غير متوقعة ناتجة عن ركود اﻷسعار، نظراً ﻷن الولايات المتحدة لاتزال اقتصاداً يقوده المستهلك.
وعلى الرغم من تلك المكاسب التى يحققها انخفاض أسعار البترول، إلا أن العديد من سكان ولايات تكساس وداكوتا الشمالية وألاسكا بجانب ولايات أمريكية أخرى منتجة للبترول لا تحتفل بهذا الانخفاض فى اﻷسعار، حيث يمكن أن يتسبب انهيار سعار البترول فى تهديد سبل عيشهم.
وبالنظر لما حدث خلال أزمة انهيار اﻷسعار بين عامى 2014 و2016، حيث انخفضت أسعار الجازولين من 3.70 دولار للجالون إلى 1.72 دولار، مما ساعد فى تعزيز إنفاق المستهلكين، ومع ذلك، تباطأ نمو الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى بشكل حاد من نسبة تزيد عن 3% فى بداية عام 2015 إلى 2% فى العام التالى.
وشهدت الولايات المتحدة تحولاً كبيراً يتمثل فى استحواذ البترول الصخرى على ما لا يقل عن نصف إنتاج البترول الأمريكى الآن، كما أن شركات النفط الصخرى، بخلاف منافسيها الكبار، سرعان ما ترفع وتخفض نشاطها وفقاً لأساس تقلبات الأسعار، مما يؤثر على أجزاء أخرى من الاقتصاد، فالآلام الاقتصادية الناتجة عن انخفاض اﻷسعار يمكن أن تمتد إلى الصلب وعمليات التصنيع والعقارات والنقل والخدمات اللوجستية والبنوك.
ووفقاً لما كتبه الاقتصادى شبردسون، يشير عالم البترول الصخرى الجديد إلى أن انخفاض أسعار البترول يعنى تباطؤ نمو الولايات المتحدة.