أخيراً وبعد طول انتظار صدر قانون حماية المستهلك الجديد الذي وافق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي. فهل يحقق هذا القانون الانضباط في مواجهة فوضى الممارسات السيئة التي تضر بالمستهلك؟ هل القانون يوفر بالفعل الحماية الكافية لحقوق المستهلك وتحد من سطوة البائعين بمختلف أصنافهم؟ أتمنى ذلك؟
يعد مجال حقوق المستهلك من الأمور التي شغلت حيزاً كبيراً في دول العالم المتقدمة ولكنه لا يلقى ذات القدر من الاهتمام في الدول النامية حيث يغلب تجاهل حقوق المستهلك. تلك الحقوق هي في الأصل منصوص عليها في الدساتير ويجب أن يتم مراعتها من كافة الأطراف بما فيهم المنتجين والتجار والموزعين والمعلنين. كما يتحمل المسؤولية أيضا الأجهزة المسؤولة عن حماية حقوق المستهلك ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من أجل ضمان أن المستهلك يحصل على سلع وخدمات بالمواصفات المطلوبة، وألا يتعرض إلى خداع أو تضليل خصوصاً أن المستهلك قد لا يكون لدية المعرفة الملائمة لحقوقه التي ينص عليها القانون.
وفي مجال مراعاة الحقوق، أود هنا أن أشير إلى الفكر الإسلامي تناول موضوع حماية المستهلك من الغش والتلاعب في العديد من الأحكام العامة والخاصة المستمدة من القرآن الكريم والسنة. كما ورد في السنة بعض المبادئ المرتبطة برفع الضرر عن المستهلك مثل قول الرسول، عليه الصلاة والسلام، “لا ضرر ولا ضرار”. ويستنتج من ذلك أن المسؤولية تقع على كل من البائع والمنتج الذي يتعامل أو يصنع منتجات فيها عيوب، ويجب عليهم إزالة الضرر الواقع على مشتري السلعة. وبالمثل حرم الإسلام الغش بكافة أشكاله، حيث ورد في الحديث عن الرسول، عليه الصلاة والسلام، “من غشنا فليس منا”. ليس هذا فحسب، بل حرم الإسلام على التجار الغش والتلاعب في المكاييل. يقول الله تعإلى في كتابه الكريم {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ.} الآية 1-3 سورة المطففين.
ترتكز حماية المستهلك على ضرورة وجود تشريع متكامل لحماية المستهلك يضمن حماية فعالة لحقوقه وإجرءات مبسطة للحصول عليها، مع منح الصلاحية المناسبة لمنظمات حماية المستهلك، ووضع عقوبات رادعة.
جنباً إلى جنب مع توفر قانون لحماية المستهلك، يجب أيضاً توفر منظومة من الأجهزة الرقابية تضمن سلامة المعروض من السلع والخدمات ومطابقتها للمواصفات القياسية. ولن تؤتي جهود حماية المستهلك ثمارها دون نشر ثقافة حقوق المستهلك وتوعيته بحقوقه من خلال منظمات المجتمع المدني.
وعلى صعيد الجهود الدولية لحماية المستهلك، تأسست المنظمة الدولية للمستهلك Consumer International Organization في عام 1960 كنمظمة دولية تضم كافة الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال حماية المستهلك في العالم وتضم في عضويتها حوالي 260 منظمة واتحاد وجمعية في أكثر من 120 دولة بالعالم.
وكان للأمم المتحدة دور هام حيث تبنت في إبريل 1985 وثيقة “حقوق المستهلك الثمانية وهي:
1. حق السلامة والأمان : حماية المستهلك من المنتجات والخدمات التي قد تعرض صحته وحياته لأية مخاطر عند وبعد استخدامها او استهلاكها واستدعاء السلع التي تهدد سلامته. وقد تقوم الدولة بتحقيق هذا الأمان كما هو حاصل في امتناع العديد من محطات التليفزيون عن تقديم الاعلانات الخاصة بالسجائر لما تمثله من خطورة على صحة الإنسان.
2. الحق في المعرفة : الوصول لمعلومات عن السلعة والخدمة ومن ينتجها وطبيعة مكوناتها والآثار المترتبة عليها
3. حق الاستماع إلى آرائه: أن تمثل مصالح المستهلك في إعداد سياسات الحكومة وتنفيذها، وفي تطوير المنتجات والخدمات.
4. حق إشباع حاجاته الأساسية : توفير الاحتياجات الأساسية من السلع والخدمات بسهولة ويسر دون شروط أو تقييد.
5. حق التثقيف : الحق في اكتساب المعارف والمهارات المطلوبة لممارسة الاختيارات الواعية بين السلع والخدمات ، وأن يكون مدركاً لحقوق المستهلك الأساسية ومسئولية وكيفية استخدامها.
6. حق الاختيار : حصول المستهلك على خيارات وبدائل متعددة للسلع والخدمات وأن يكون قادراً على الاختيار من بين مجموعة من المنتجات والخدمات المقدمة بأسعار تنافسية مع ضمان الجودة المرضية.
7. حق التعويض : التعويض العادل في حال تعرض المستهلك لأي ضرر ناتج عن استهلاكه لسلعة أو خدمة واستبدال السلع المعيبة والحصول على تسوية عادلة بالقيمة العادلة ، بما في ذلك التعويض عن التضليل أو السلع الدريئة أو الخدمات غير المرضية.
8. الحق في بيئة صحية : العيش والعمل في بيئة خالية من المنتجات الضارة والمخاطر الصحية للأجيال الحالية والمستقبلية.
أما أبرز ملامح قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018، فيمكن تلخيصها في ضرورة إصدار فاتورة للمستهلك دون أي زيادة في السعر؛ وزيادة فترة الاستبدال أو الاسترجاع للسلع المعيبة إلى 30 يوماً من تاريخ الاستلام؛ وإلزام البائع بالإعلان عن سعر البضاعة أو الخدمة الشامل؛ وإلزام مورد الخدمات الحرفية والتشطيبات بضمان الأعمال التي يقوم بها لمدة عام؛ ووضع ضوابط لتنظيم عملية حجز السلع وطرق إتمام الحجز والغائه؛ وتجريم الإعلانات المضللة أو المسيئة للآداب العامة، وإيقاف الوسيلة الإعلانية إذا لم تلتزم بالإيقاف؛ وخضوع السلع المستوردة والمحلية للضمان لمدة عامين؛ وإلزام التاجر في توفير قطع الغيار أو مراكز الصيانة بعد فترة الضمان؛ وتنظيم التسوق الالكتروني بوضع ضوابط للاستبدال أو الاسترجاع خلال 14 يوما؛ ووضع ضوابط لتنظيم المسابقات ذات الجوائز التي يعلن عنها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، خاصة القنوات الفضائية، منها «مسابقة 0900» وغيرها من المسابقات؛ وتجريم الإعلان عن العقارات دون وجود ترخيص مسبق.
وفي الختام، أعتقد أن القانون يتوافق الى حد كبير مع مبادئ الأمم المتحدة لحقوق المستهلك. فقد كان ضرورياً صدور هذا القانون في ضوء التغيرات في ممارسات التجارة والتطور في أساليبها. كما كان لازماً معالجة أوجه القصور في قانون حماية المُستهلك القديم من أجل وضع تشريع يقضى على الأساليب الاحتيالية ووسائل الخداع التي يتبعها بعض المنتجين والموزعين والبائعين، مع تشديد العقوبات على المخالفين.
***