أثارت تحذيرات صندوق النقد الدولي بشأن ارتفاع مستويات الديون في الدول منخفضة الدخل، تساؤلات حول المدى الذي يصل إليه مستوى ثقل الديون الناتج عن الإقراض القادم من الصين.
وقالت الخبيرة الاقتصادية فيرا سونجوى، في مقال نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن أعباء الديون المتزايدة ستكون مرهقة في أفريقيا بشكل خاص.
وبينما تعد مساهمة الصين في هذا الدين أمرا هاما، إلا أنها ينبغي ألا تشكل المحور الرئيسي لقلق صانعي السياسات.
وهناك أسباب عديدة تدعو للقلق بشأن الديون الأفريقية، فهي ستحد من النمو الراكد بالفعل، بجانب تأثيرها السلبي على خلق الوظائف وربما تؤدي أيضا إلى زيادة في الصراع عبر القارة، كما أنها قد تزيد من معدلات الهجرة الكبيرة بالفعل إلى أوروبا ، وستهدد إنجازات أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وأوضحت سونجوي أن هذه هي النتائج المحتملة للديون الأفريقية إذا لم يتم العثور على حل دائم للتحدي المتمثل في الموازنة بين النمو في أفريقيا واستقرار الاقتصاد الكلي، مشيرة إلى أن هذه النتائج لن تكون في مصلحة أي دولة، خصوصا أن هناك أكثر من 20 دولة في القارة السمراء تعاني من ثقل الديون بين مستويات متوسطة إلى عالية.
وتعد سهولة الوصول إلى الأسواق الدولية، المحرك الرئيسي لمستويات الديون اﻷخيرة المتزايدة بشدة، ففي ظل حاجة الدول الأفريقية إلى تسريع تطوير البنية التحتية، سعى كثيرون إلى استغلال أسواق رأس المال الدولية.
وقبل عام 2006، كانت المغرب وتونس وجنوب أفريقيا الدول الوحيدة المصدرة للسندات السيادية المقومة بالعملات الأجنبية، ولكن هذا العدد ارتفع إلى 14 دولة بحلول عام 2017.
و في عام 2018 وحده، باعت الدول الأفريقية ما يصل إلى 18.3 مليار دولار من الديون المقومة باليورو والدولار، كما ازداد عدد إصدارات السندات بالعملات المحلية. ونتيجة لذلك هناك نحو 70% من الديون الخارجية لأفريقيا مقومة بالدولار أو اليورو.
وفي الوقت الذي يربط فيه بعض المحللين ارتفاع مستويات الديون بالإقراض القادم من الصين، تمثل الالتزامات الصينية في الواقع ما يقل عن 10% من إجمالي الديون الخارجية لأفريقيا.
وفي بيئة تعرف بتشديد الظروف المالية وارتفاع الدولار والحمائية العالمية، يكون للديون المقومة بالعملات الأجنبية آثار ضارة على عبء خدمة الديون مع ارتفاع أسعار الفائدة، فعلى سبيل المثال انخفضت قيمة السيدي الغاني والنيرا النيجيري مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 2008، مما يعني أن القيم الأسمية الحالية لسندات اليورو الصادرة عن كلا البلدين ارتفعت بشكل ملحوظ.
وفيما يخص غانا، وصلت القيمة الأسمية لسعر سندات اليورو البالغ قيمتها 700 مليون دولار لعام 2007 ، نحو 3.4 مليار دولار عام 2017.
وهناك اتجاه مماثل ملحوظ في حالة نيجيريا، التي أصدرت سندات يورو بقيمة 500 مليون دولار في 2011. وارتفعت القيمة اﻷسمية لتلك السندات إلى 966 مليون دولار بحلول 2017.
وتساءلت الخبيرة الاقتصادية سونجوى حول ما إذا كانت ديون العملة اﻷجنبية كأسا مسموما، أما أنها خيار مستدام أمام الدول اﻷفريقية. فهناك العديد من الدول تنتقل إلى الديون المقومة بالعملة المحلية بشكل متزايد للحد من مخاطر أسعار صرف العملات اﻷجنبية.
ويعد قرار الهند بالاقتراض بالعملة المحلية في أغلب اﻷحيان من أجل تمويل البنية التحتية من خلال سندات “ماسالا” المقومة بالروبية الهندية، مثالا جيدا على هذه الاستراتيجية.
وأوضحت سونجوي، أنه يتعين على الدول الأفريقية الاستمرار في التوجه للسوق من أجل تمويل نموها، ولا شك في أن الدول ستسلك هذا الاتجاه، ومع ذلك تمتلك الحكومات والمؤسسات المالية الدولية دورا تلعبه لضمان إتمام ذلك بحذر، بالإضافة إلى وجوب المطالبة بالحصول على الغالبية العظمى من قروضها بالعملة، سواء القروض المعروضة في السوق أو القروض الممنوحة بشروط أكثر سخاء.
وفيما يخص المؤسسات المالية الدولية، فيتعين عليها التوصل إلى طرق للتحوط من مخاطر أسعار صرف العملات بمجرد تقديمها قروض بالعملة المحلية.
أما بالنسبة لصانعي السياسات الأفريقيين، تعد العودة إلى إدارة الاقتصاد الكلي بشكل حكيم وتطوير أسواق رأس مال محلية بجانب الأسواق المالية الأفضل تنظيما طرقا لضمان اجتذاب دولهم لرؤوس أموال أكثر في الوقت الذي يديرون فيها عبء ديونها.