الأزمات المالية تبث الروح فى الأحزاب القومية الجديدة
على الرغم من أن الظروف الاقتصادية والديموغرافية تتيح فرصاً أفضل لدمج المهاجرين فى الاقتصاد الوطنى، إلا أن تأثيرها فى المواقف الحزبية السياسية تجاههم يفسر لماذا تحولت لقضية حشد سياسى وفى الوقت نفسه خلقت مناخاً أكثر حساسية تجاه المواقف المعادية للمهاجرين مقارنة بالماضى.
أحد أسباب ذلك على الأقل فى حالة أوروبا هو أنه مع تقارب الأحزاب التقليدية لليسار الوسط ويمين الوسط فى مسائل السياسة الاقتصادية والاجتماعية احتلت الأحزاب الجديدة القائمة على الهوية الوطنية بشكل ثابت المساحة التى تُركت خلفها.
وعلى خلاف الأحزاب الكبيرة المسيطرة، قام هؤلاء الوافدون الجدد لعالم السياسة ببناء تحالفات على أساس القضايا الثقافية الضيقة.
ومهما يحدث، من الواضح أن السياسات القومية والشعبية قد وصلت إلى نقطة أن الهجرة ستظل قضية مركزية فى المنافسة بين الأحزاب لتستغلها الأحزاب القائمة على الهوية.
وهذه الحقيقة وحدها لها آثار خطيرة على صنع السياسة الاقتصادية، خاصة فى أوروبا حيث حرية الحركة التى تمثل الهجرة الداخلية واحدة من الركائز التى تقوم عليها فكرة عمل الاتحاد الأوروبى.
وتعتبر الهجرة هى إحدى هذه القضايا، لأنه يمكن تأطيرها بطريقة تستغل التصرفات العميقة القائمة على القيم الوطنية لتفتيت شعبية أحزاب الأغلبية الحاكمة ويعد هذا الاستخدام الاستراتيجى للقضية مألوفاً لأى شخص راقب نهوض الأحزاب القومية اليمينية عبر أوروبا فى السنوات الأخيرة.
علاوة على ذلك، تمتعت الحركات القومية بتعزيز ملحوظ منذ الأزمة المالية التى خلقت حقبة جديدة من العداء للنخب التقليدية الحاكمة والتشكيك فى مؤسساتها وخبرتها المتخصصة.
هذا المزيج الذى جرى إنتاجه لمناهضة الصفوة الحاكمة يخدم المرشحين اليمينيين المناهضين للهجرة بشكل غير متناسب فى كل من الولايات المتحدة وأوروبا بوصمهم كتهديد للهوية الوطنية وتحويل النظر إلى مناطق فضفاضة للنقاش مع التيارات الشعوبية.
وعلى سبيل المثال يركز النقاش الآن بشكل مباشر على التهديد المفترض للسلامة الثقافية مع خلط رهيب فى الأوراق يؤدى إلى الفشل الواسع فى التمييز بين سياسات اللاجئين وسياسات الهجرة.
وبطريقة أو بأخرى، يجب معالجة مخاوف المواطنين بشأن الهجرة، وكذلك الأسباب الجذرية لقلقهم الاقتصادى، وكما توضح الأبحاث، فإن الأثر الاقتصادى للهجرة يعتمد على السياسات المعمول بها لإدارتها ويحتاج المهاجرون تسهيل وصولهم إلى الوظائف التى تتناسب مع مهاراتهم، ويجب أن يتم تقاسم مساهماتهم فى النمو على نطاق واسع بدول المقصد.
غير أن المواقف العامة من الهجرة فى العديد من البلدان خلال العصر الحالى تتعارض مع هذه الأهداف فبدلاً من الاعتراف بالمهاجرين كمحرك للنمو ينظر الآن إليهم على أنهم مصدر تهديد اقتصادى وثقافى بما فى ذلك البلدان التى تحتاج بشدة إلى الهجرة لتعويض معدلات الخصوبة المنهارة.
والسياسيون الذين يتنافسون لإثبات قوتهم فى التصدى للهجرة لا يقومون فقط باستقطاب الناخبين فى جميع أنحاء العالم الغربى بل يشاركون فى زرع استراتيجية تهدد بعرقلة اقتصادات بلدانهم وتكتلاتهم على غرار السوق الأوروبية المشتركة.