السمة الأساسية لصياغة أى نص تنظيمى أو تشريعى تبدأ وتنهى عند سلامة اللغة ومفراداتها باعتبارها أداة ووسيلة التعبير عن مقصد المُشرع أو الرقيب وموضحة وكاشفة لجملة الأحكام التى يحملها النص بين طياته ذلك أنه عقب نشر النص وإطلاقه للمخاطبين به يُصبح حُجة عليهم وملزماً ومنظماً لمعاملاتهم وحامياً لحقوقهم ومكتسباتهم إذ أنه لا مجال لتعديل النص التشريعى بعد نفاذه إلا بإصدار نص آخر يُعدله أو يلغيه بحسب الأحوال وبنفس الأداة والوسيلة التى صدر بها.
الأمر إذن على هذا النحو من الأهمية يقتضى ويتطلب من القائمين على صياغة النص إلمام غاية فى المهارة والحصافة للوقوف على نية ومُبتغى المُشرع أو الرقيب والذى سيتكمن على إثره من كتابة العبارات التى تعكس بوضوح ما كان يُتطلع إليه.
لذا وعلى سبيل المثال كان القانون المدنى المصرى لدى العاملين فى الحقل القانونى أو غيرهم من المختصين بصنعة التشريع أحد الأيقونات الفريدة كونه لم يُصبه على مدار 70 عاماً تعديل أو تصويب يمس أو يتعلق بضبط لغوى مـا أو إيضاح كان إليه يفتقر بل ظلت عباراته محتفظه برونق الأداء الذى صدرت به منذ هذا الزمن.
من ناحية أخرى ولأن الخطأ البشرى والمادى فى معرض النسخ والنقل والكتابة هو أمر بطبيعة الحال واقع الحدوث لذا كانت الوسيلة الآمنة لمعالجة مثل هذا النوع من التصويبات هو نشر ما يُسمى بالـ”استدراك”، والذى بموجبه يتم تصويب ما هو فى حدود علامات الترقيم أو حرف بدلاً من آخر أو كلمة بدلاً من أخرى فقط هذا ما كان يقتصر عليه الأمر وقطعاً هذا هو الذى ينبغى عليه أن يستمر، لذا لم يكن من الجائز أو المقبول أن يرقى هذا الاستدراك إلى استحداث حكم أو إلغاء آخر إذ أن فى ذلك تخطى واضح لدائرة وحلقة العمل الذى كان ينبغى أن يمر بها النص.
واليوم ومع تسارع وتيرة السوق وضرورة سرعة تلبية احتياجاته التنظيمية والتشريعية تزايدت بالتبعية النصوص القانونية والرقابية واستتبعت أيضاً ضرورة النظرة إليها على فترات متقاربة للتأكد من كونها تقوم بتلبية متطلبات السوق الذى صدرت لأجله وهو ما أدى زيادة ملحوظة فى التشريعات والقرارات المُعدلة لقرارات أخرى وهذا أمر فى ظاهره محمود ومُعبر عن يقظة واجبة لكن ومع الأسف الشديد أصبحت هناك _لاسيما فى الآونة الأخيرة_ سُنة غير حميدة وهى التساهل فى نشر “الاستدراك” فلم يعد الأمر كما أشرنا مقصوراً على تصويب ما قد يقع من خطأ مادى أثناء عمليات النسخ أو الطباعة والنشر بل إنه استشرى كأمر واقع مُعتاد الحدوث وخطورة الأمر ليس فى تزايد التكرار، ولكن فى تجاوز”الاستدراك” لحدوده ووظيفته وأصبح بمثابة أداة تشريع خفية فى يد من أصدره فاليوم يصدر قانون أو تشريع رقابى يُجيز تصرف مـا بصيغة معينة ثم بعد بضعة أيام ينشر استدراك يُعلق هذا الجواز أو يضع له ضوابط جديدة!
إن المتابع لمنشورات الجريدة الرسمية والوقائع المصرية ليس عليه سوى تصفح الفهرس لأى عدد بشكل عشوائى خلال فترة زمنية وستُدهش حقاً من كم الاستدراكات المنشورة والتى إن كان لديك متسع بسيط من الوقت ستجدها قد خرجت عن مسارها الذى وجدت لأجله.
مرة أخرى اتفهم ضرورة أن يُبقى المشرع أو الرقيب أو الجهة الإدارية المختصة عينه يقظة للسوق واحتياجاته وأن يبادر من فوره بتعديل كل نص يستوجب التعديل، ولكن ولأن ما استحال إليه الأمرغير ذلك تماماً فإنه من الواجب أولاً أن يُعاد النظر بالتأنى الواجب فيما ينُشر خاصة القرارات الإدارية والكتب الدورية والمنشورات التى تُصدرها الجهات والمأموريات الحكومية والتى أصبحت على ما يبدو لا تأخذ وقتها فى المراجعات الفنية والقانونية اللازمة.
الأمر الثانى هو ضرورة التوقف الفورى عن استخدام “الاستدراك” كوسيلة تنظيم وتشريع خارج الدائرة القانونية التى كان يتوجب المرور بها ويقينى أن هذا بالقطع يخدم بيئة التشريعات وينأى بها عن سجالات وتضاربات فنية وقانونية جميعنا فى غنى عنها.
مصطفى مـوســى
محام_شريــك
مكتب الدكتور/ زياد بهاء الدين للمحاماة