اقتصادنا يا تعبنا الحلقة 96..
لا شك أن مناخ الاستثمار به العديد من المحاور التى تم إصلاحها، ومازالت تحتاج المزيد، وهناك محاور تحتاج إلى مقولة أنسف حمامك القديم.. أو على الأحرى تغيير جوهرى جذرى فى من منظومتها.. ولعل من أهم هذه المحاور التعامل مع المحاكم والقضايا وتنفيذ الأحكام.. فعن تجربة شخصية ومن تجارب مستثمرين آخرين.. الكل يشتكى طول فترة التقاضى، والوصول إلى حكم نهائى نافذ.. فإذا نظرنا إلى ترتيب مصر فى مؤشر إنفاذ العقود ضمن المؤشرات العشرة التى يقيسها تقرير بيئة ممارسة الأعمال، سنجد أنه متأخر جداً منذ سنوات عديدة (كما موضح فى الشكل التالى): حيث سنجد أن ترتيب مصر فى عام 2006 ميلادياً كان متأخراً جداً 157 (من 175 دولة) ثم بدأ بالتحسن تدريجياً حتى وصل فى عام 2010 إلى 143 (من 183 دولة) ثم بدأ فى التراجع ليصل فى 2012 إلى 152 دولة (من 185 دولة) إلى أن وصل إلى المركز 160 فى 2018 (من 190 دولة).. وسبب ذلك عدم تحسن المؤشرات الفرعية لمؤشر إنفاذ العقود فيما يتعلق بالمدة التى تستغرقها للتقاضى، ثم إنفاذ العقد والتى تصل إلى 1010 يوم (أى ما يعادل 2.7 سنة أى حوالى ثلاث سنوات).. وهو أمر ظل ثابتاً من 2006-2018 دون تغير.. فبالمقارنة بدول منطقة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى OECD سنجد أن متوسط المدة 582.4 يوم، وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنجد أن المدة 622 يوماً.. ولعل من أفضل الدول فى إنفاذ العقود على مستوى عدد الأيام سنغافورة (الأولى عالمياً بترتيب 1 وعدد أيام 164 على مستوى المؤشر)، وكوريا الجنوبية (ترتيب 2 وعدد أيام 290) والنرويج (ترتيب 3 وعدد أيام 400 يوم) وكازخستان (ترتيب 4 عدد أيام 370) وليتوانيا (ترتيب 7 وعدد أيام 370) والإمارات (ترتيب 9 وعدد أيام 445).. كما أن الأردن والسعودية ولبنان أفضل حالاً من مصر فيما يتعلق بعدد الأيام.. (انظر الشكل التالى): وبالتالى أمر ليس بالهين بالنسبة لمصر لأن طول المدة يترتب عليها تكاليف باهظة؛ حيث وصلت التكاليف إلى 26.2% من قيمة القضية الدعوى المرفوعة، وفقاً للتقرير فى حين بلغت.. ناهيك عن أن طول المدة قد يفقد قيمة التعويض/ الدعوى بمقدار كبير، ولا سيما فى حالة انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار.. ولعل أفضل نسبة للتكلفة فى الدول المتقدمة تراوحت بين 20- 23% من قيمة الدعوى.. وفى بعض الدول الأخرى كانت تصل إلى أقل من 16% (وهناك دول أقل من 10%) لكن طول المدة لم يجعلها من الدول المتقدمة.. إن إصلاح منظومة التقاضى وإنفاذ العقود أمر مهم، إذ يجب العمل على تبسيط إجراءات التقاضى وتخفيض الوقت اللازم لإنهاء النزاعات القضائية عبر المحاكم وتنفيذها؛ لأن ذلك له تأثير مهم على مناخ الاستثمار وتسوية النزاعات.. ومن هنا تأتى أهمية الميكنة، ورفع قدرات القضاة بالتدريب المستمر والاستفادة من تجارب الدول حتى يقل وقت التقاضى والتنفيذ؛ لأن تكلفة الوقت وعدم إتيان الحقوق فى وقتها هو إهدار للحقوق وارتفاع للتكلفة فى ضوء طول الوقت المستغرق.. وفى دول مثل مصر حدث فيها تعويم فإن قيمة الدعاوى قبل التعويم (بالجنيه) انخفضت بعد إقرار الأحكام بعد التعويم؛ نتيجة انخفاض قيمة الجنيه.. وفى النزاعات الدولية «التحكيم» (بالدولار) ترتب عليها ارتفاع قيمة الدعاوى بعد التعويم لأنها تطلبت الإتيان بجنيهات أكثر لجلب الدولار لسداد قيمة الدعاوى أو التعويضات التى أقرت بعد التعويم.. وهو ما يجعلنى أقول كلما كانت بيئة الاستثمار سهلة وأكثر تنافسية وأقل بيروقراطية وفساداً واحتراماً للعقود وتنفيذها وكلما كانت العقود مصاغة بطريقة جيدة تضمن حقوق والتزامات جميع الأطراف قلت من ناحية الدعاوى المرفوعة، وكلما انعكس ذلك إيجابياً على بيئة الاستثمار عموما.. ولعلى أرى على وزارة العدل عبئاً كبيراً فى هذا الاتجاه، أتمنى أن تنظر إليه بعين الاعتبار بالتنسيق مع الوزارات المعنية بإصلاح مناخ الأعمال وميكنته.. وما نبغى إلا إصلاحاً وتوعية..