فى عام 2016 اعترف قرصان كولومبى يسمى «أندريس سيبولفيدا» بالتلاعب فى الانتخابات بجميع أنحاء أمريكا اللاتينية خلال 8 أعوام، ومنذ ذلك الحين خضع تصويت المملكة المتحدة فى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وانتخاب الولايات المتحدة لدونالد ترامب كرئيس لفحص دقيق، كما تشهد الدول المتقدمة تحقيقات للكشف عن دور المتسللين الذين يؤثرون على الناخبين ببث أخبار مزيفة.
وقال فران ماروود عضو فريق التحقيق فى شركة «بيو»، إن مخططات الاحتيال التى يراها العالم حالياً تتغير دائماً لأن الطرق التى يتفاعل بها الأشخاص مع بعضهم تتغير باستمرار أيضاً.
أضاف أن الغش تطور بشكل كبير على مدار 20 عاماً كان يعمل فيها فى لجان الفحص الجنائى بالطب الشرعى مشيراً إلى عاملين رئيسيين وراء هذا التطور وهما الزيادة فى الاتصالات العالمية والتطورات الضخمة التى شهدها قطاع التكنولوجيا واستخدام البيانات، خاصة مع ظهور الهواتف الذكية التى يبلغ عمرها أكثر من 10 سنوات.
وتمثل الجريمة المالية وغيرها من عمليات الغش مصدراً لمخاطر زعزعة استقرار الاقتصادات العالمية من خلال قدرتها على سرقة مبالغ مالية متزايدة وتغيير مسار الأحداث، حيث يتدخل المحتالون فى مسار الأنشطة الاقتصادية والسياسية بوسائلهم الخاصة.
ولكن فى حين أن تأثير الغش على سير العملية الانتخابية أظهر قوته وبلغ تهديده للنمو الاقتصادى ذروته يأتى أيضاً الاحتيال المالى كمد مرتفع يضرب الأسواق ففى يناير 2018 تبين أن مديراً بمستوى متوسط فى بنك البنجاب الوطنى بالهند نفذ عملية احتيال على نحو هادئ مستمرة منذ عام 2011، حيث سرق نحو 1.8 مليار دولار.
وقال تارون بهاتيا، المدير الإدارى ورئيس قسم جنوب آسيا فى تحقيقات وممارسات النزاعات بمؤسسة «كرول»، إن الغش لا ينال الاهتمام المناسب من قبل الجهات المنظمة ولا من الجهات السياسية وبالطبع فإن عامة الناس لا ينتبهون لمخاطره رغم تكرار حدوثها فى القطاع المالى وبصورة متشابهة و لذا كان هناك أيضاً قلق حول نقص مناهج التعليم المناسبة لمواجهة المشكلة وبالتالى التصدى لذلك النوع من العمليات.
ووجد تقرير شركة “بيو” للأبحاث بحسب تقرير “راكونتر” المنشور بصحيفة «ذى تايمز» البريطانية أن عدد الشركات التى شهدت عمليات احتيال فى عام 2017 يفوق عام 2016 حيث ارتفع إلى %49 ممن شملهم البحث مقابل %36 فى استطلاع سابق.
ووجدت الدراسة الاستقصائية العالمية للجريمة والاحتيال التى أجرتها الشركة أن الجريمة السيبرانية من المتوقع أن تكون أكثر منظمات الغش تخريباً للاقتصاد العالمى خلال العامين المقبلين.
ومثلما هى المشكلة ينظر الكثيرون إلى أن الجرائم المالية بعيدة كل البعد عن الخطط الأكثر شراً التى يمكن أن يستخدمها المحتالون لزعزعة استقرار الاقتصادات العالمية ويتم الترويج لذلك فى حملات إعلامية مضللة تخدع الناس والمسئولين وتثبط حماسهم لاتخاذ إجراءات حذرة ما يعنى أن هناك احتمال حدوث نتائج مدمرة.
ووجدت دراسة حديثة أجرتها المجلة الأمريكية للصحة العامة أن المتصيدين عبر الإنترنت من روسيا ينشرون التغريدات ضد عمليات تلقيح التطعيمات، وذلك بهدف زرع الفتنة بين سكان الولايات المتحدة.
ويقول التقرير إن الحسابات التى تتنكر كمستخدمين شرعيين تخلق معادلة مزيفة، وتضعف الإجماع العام على حملات التطعيم موضحاً أن المتصيدون كانوا يحاولون تحقيق المزيد من الانقسام فى المجتمع الأمريكى، فضلاً عن تآكل الثقة العامة فى اللقاحات المهمة.
وقد يؤدى الانخفاض المفاجئ فى استخدام اللقاح إلى زعزعة استقرار الاقتصادات العالمية، وقد تكون الولايات المتحدة الضحية الأولى.
وتكلف الأمراض المليارات من الدول كل عام، ويمكن لوباء خطير ناجم عن ارتفاع فى الأمراض المعدية بسبب قلة الناس الذين يلقحون أطفالهم أن يهدد الاقتصاد.
ويُعتقد أن الأنفلونزا الإسبانية التى استمرت من عام 1918 إلى عام 1920 قد قتلت 100 مليون شخص وقضت على نحو 4 تريليونات دولار من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، أى حوالى %5 من الإجمالى.
ويمكن أن يكون للمحرضين الذين يزرعون الخلاف لمنع البلدان من الوفاء ببرامج التحصين الهامة تأثير مدمر مماثل، ويتوقع البنك الدولى أن يكون لوباء عالمى تأثير كارثى مماثل على الاقتصاد العالمى فى القرن الحادى والعشرين.
ويتطلب أولئك المكلفين بمكافحة الاحتيال ومنع زعزعة استقرار الاقتصادات العالمية أن يظلوا متقدمين خطوة واحدة على الأقل أمام هذه الميليشيات الإلكترونية.
ويعتبر التقرير أن مصدر التهديد الأول هو نغمة التهوين لدور الغش فى تعطيل حركة الاقتصادات العالمية فى حين يصبح المجرمون أكثر تنظيماً ويطرحون تحديات مختلفة لأولئك الذين يحاولون التصدى لهم.
وقال نيك مذرهاو، مدير حلول الاحتيال والهوية فى “إكسبريان”، إن الأمر بدأ يزداد تطوراً لمنع المحتالين من الهجوم وسيتعين على الجميع العمل للفوز فى هذا الرهان وبناء خط دفاع أفضل، معتبراً أن العملية تشبه حرب عصابات، لكن المثير للاطمئنان أن منصات الحماية تتحسن بشكل سريع.
ووصف التقرير جهود مكافحة الغش بأنها سباق تسلح دائم التطور على الجانبين وأن التهديد الذى يمثله المحتالون على الشركات والحكومات والمنظمات الأخرى يعنى أن أولئك المكلفين بمكافحة الاحتيال ومنع زعزعة استقرار الاقتصادات العالمية يجب أن يظلوا متقدمين خطوة واحدة على الأقل.
ويرى ماروود، أن العامل الأكبر هنا هو التكنولوجيا حيث تخلق فرصاً للمحتالين لسرقة الأموال النقدية وغيرها من الأصول وليس هناك شك فى أن هذه الفرص سوف تزيد وتتطور مع مرور الوقت.
لكن التكنولوجيا لها جانبان على الرغم من ذلك فيمكن أيضاً أن تكون فعالة للغاية فى منع وكشف الاحتيال، والسيناريو الأسوأ هو أن الحكومة والشركات والأفراد لا يواكبون المحتالين فى هذا التطور بل يتفوقون عليهم.