الأخوة الأعداء يدفعون لانتخابات مبكرة لكسب تفويض بوضع خطة بديلة
فى بداية النقاش داخل أروقة مجلس العموم البريطانى، قال 15 عضواً يمثلون نواة التمرد داخل حزب تريزا ماى رئيسة الوزراء «حزب المحافظين الحاكم» إنهم سيصوتون برفض اتفاقها للانفصال عن السوق الأوروبى الموحد، لكن يبدو أنها لم تأخذ هذا التهديد على محمل الجد.
وعلى «ماى» قبل أن تتقبل هزيمة سياسية ساحقة أن تتقبل «خيانة» أعضاء حزبها لها وتوجيه طعنة لمستقبلها السياسى، إذ أنها قد تفقد منصبها للأبد وقد لا تجد الكثير لتفعله حيث ارتفع عدد الأخوة الأعداء لها من 15 إلى 100 نائب محافظ تصدروا قائمة المصوتين بالرفض والذين بلغ عددهم 432 نائباً مقابل 202 وافقوا.
وبحسب الصحف الإنجليزية وفى مقدمتها «الجارديان» و«التيلجراف»، فإن أعضاء من حزب المحافظين قادوا حركة تمرد تسببت فى هزيمة أخرى لـ«تيريزا ماى» عندما انضموا لقوى حزب العمال الداعمة لمطالب تعديل خطة عملية الخروج من الاتحاد الأوروبى.
ويعنى التصويت بلا، أن الحكومة مضطرة الآن للعودة إلى مراجعة جميع الاستراتيجيات الممكنة للخروج بعد رفض مجلس العموم للاتفاق المقترح والتى قد يكون من بينها استقالة الحكومة وفتح الباب أمام فوضى سياسية عارمة ليس فى بريطانيا وحسب بل فى أوروبا بأسرها.
ولم يُسمح بهذا التصويت إلا بعد أن خرق رئيس مجلس العموم جون بيركو للقواعد البرلمانية من أجل إعطاء النواب فرصة للتصويت على الاتفاق وهو الأمر الذى أدى لخلاف علنى غاضب فى قاعة النقاش بينه والأحزاب المتنافسة على المقاعد الحكومية.
وتمثلت المؤشرات الأولية لهزيمة الحكومة فى معركة التصويت، عندما تحرك نواب حزب المحافظين المتمردين لشل صلاحيات الحكومة فى مجال فرض الضرائب فى حالة فشل التوصل لاتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبى فى محاولة للتلويح بخطورة إسقاط الاقتراح الحكومى.
كل ذلك يضيف إلى صورة رئيسة وزراء تفقد بسرعة السيطرة على عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وكذلك السيطرة على المجال العام الذى قد يأخذ البلاد إلى انتخابات عامة مبكرة.
وينظر المراقبون فى المسارات الممكنة لإحداث تغيير ما مع اقتراب بريطانيا من نهاية المهلة التى حددها الاتحاد الأوروبى فى 29 مارس المقبل.
وتقدم صحيفة «الجارديان» السيناريوهات الأكثر احتمالاً بعد رفض خطة «ماى».
1. طرح الاتفاق المقترح للتصويت مرة ثانية
ربما يكون السيناريو المحتمل هو إجراء تصويت ثانى على الاتفاق بعد إدخال تعديلات بشرط الحصول على دعم من قبل النواب، وسيتعين على رئيسة الوزراء وضع خطة جديدة للمجلس خلال 3 أيام ومن ثم يتم مناقشة هذه الخطة الجديدة والتصويت عليها فى نهاية المطاف من قبل النواب.
لكن لن يتضح ما سيبدو عليه هذا التصويت قبل الإعلان عنه فقد يختار النواب ببساطة وضع نفس الاتفاق المرفوض أمام البرلمان للتصويت مرة ثانية، وقد يدعم النواب الاتفاق هذه المرة إذا ما شعروا أن عنادهم سيضع البلاد فى مواجهة احتمال تخريبى بدون وجود اتقاق مع الاتحاد الأوروبى لتخفيف الآثار السلبية للانفصال.
كما أنهم قد يخشون البقاء لفترة طويلة فى فوضى إذا تم اللجوء إلى خيار إجراء استفتاء آخر حول الاستمرار فى الخروج أو البقاء بالسوق المشتركة أو ترى الأحزاب المتنافسة أنها غير جاهزة لانتخابات عامة مبكرة، مما يعطى حكومة «داونينج ستريت» الأمل فى أن النواب القلقين يمكن أن يلقوا الدعم خلف برنامجهم.
ومع ذلك، فإن المشكلة مع طرح نفس السؤال مرتين هو أن الأمور تميل إلى أن ما قد تحصل عليه الحكومة هى نفس الإجابة فى المرتين.
وتقول الصحيفة البريطانية أن معظم أعضاء البرلمان يعتقدون أن الاتفاق سوف يتم رفضه ببساطة مرة أخرى ما لم يتم إعادة التفاوض بشكل جوهرى مع الاتحاد الأوروبى حول بنود أفضل.
وحتى الآن يبدو الاتحاد الأوروبى نفسه متردداً للغاية فى التفكير بذلك وإذا استمر هذا الأمر، فسيتعين على تريزا ماى النظر فى خيارات أخرى.
2. إلقاء الكرة فى ملعب البرلمان
إحدى الأفكار التى تكتسب زخماً داخل حكومة «ماى» هى إلقاء الكرة فى ملعب البرلمان ليتحمل المسئولية عن الخطوات التالية وإذا لم يكن هناك فرصة للحصول بالفعل على أى أغلبية مؤيدة لاتفاق رئيسة الوزراء والتأكد من عدم وجود اتفاق، فإن الحجة ستكون أنه يتعين على النواب القيام بمسئوليتهم فى تقديم بديل لإنقاذ البلاد بما يضمن توافق الأغلبية على حلول فعلية.
وفى حال وجد البرلمان نفسه مضطراً لتقديم الحلول للاحتفاظ بثقة الشعب فيه فيمكن أن يأخذ هذا عدة أشكال بناءاً على تعدد وجهات نظر النواب وقدرتهم على جلب الدعم فى البرلمان لمجموعة من الخيارات المختلفة.
3. إجراء استفتاء ثان حول البقاء فى الاتحاد الأوروبى
يتزايد الدعم المتبادل بين الأحزاب بسبب ما يطلق عليه «تصويت الشعب» أو الاستفتاء الثانى لاسيما بين أعضاء الحزب الديمقراطى الليبرالى والنواب العماليين، وكذلك بعض نواب حزب المحافظين البارزين بمن فيهم دومينيك جريف وجو جونسون، ومع ذلك تعارض الحكومة بشدة إجراء استفتاء آخر، وقالت تيريزا ماى إنها ستكون «خيانة كبرى لديمقراطيتنا».
ويعتبر من شبه المؤكد أن حكومة المحافظين لن تقوم أبداً بإصدار أى تشريع يقود لمثل هذه النتيجة خاصة مع انهيار شعبية الحزب فى استطلاعات الرأى ودعاوى إزاحة زعيمته على الفور.
كما أن قيادة حزب العمال على الجهة الأخرى مترددة للغاية فى تأييد تصويت جديد وترى أنه من الصعب القيام بذلك وأنه سيكلف الحزب غالياً فى الانتخابات القادمة مع اهتزاز ثقة الناس فيهم.
ومع ذلك، فإن كوربين زعيم حزب العمال يتعرض لضغوط متزايدة من أعضاء بارزين فى حزبه، بما فى ذلك سكرتير حزب الظل فى الاتحاد الأوروبى، كير ستارمر لتغيير موقفه، كما يلتزم الحزب، بموجب مؤتمر حزب العمال الأخير بترك خيار التصويت الثانى مفتوحاً إذا فشلت جميع الخيارات الأخرى.
وتعتقد حملة «تصويت الشعب» أن دعم كوربين للتصويت الجديد هو السبيل الوحيد الذى يمكن أن يحدث معه نقلة تقود إلى تفعيل هذه الخطوة داخل البرلمان فإذا ظل غير مقتنعاً بذلك فإن فرص إجراء استفتاء ثان قبل خروج بريطانيا تبدو ضئيلة.
4. انتخابات عامة
إذا لم تتمكن تيريزا ماى من عقد صفقة عبر البرلمان، فإن أحد الخيارات المتاحة أمامها هو إجراء انتخابات عامة وقد تضطر لفعل ذلك بطريقة أخرى يمكن أن تحدث مع قيام حزب العمال بطلب تصويت بسحب الثقة بعد فشل حكومتها فى تمرير الاتفاق، لكن ذلك يعتمد على قدرتهم على العثور على أعضاء البرلمان المحافظين الذين يبدون استعداداً للتصويت ضد حكومتهم، وهو أمر غير مرجح.
ويمكن النظر بطريقة أخرى للقضية فقد ترى «ماى» ببساطة أن الدعوة للانتخابات والفوز بها يعد بمثابة تأمين تفويض جديد لاتفاقها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
ومع ذلك يعتقد جيريمى كوربين أنه يمكن أن يضع ضغطًا كافياً على «ماى» لإجبارها على العودة إلى الناخبين فى البلاد بعد فشلها فى الحصول على دعم لاتفاقها من أعضاء البرلمان.
ولن يكون من المستحيل بالتأكيد إجراء انتخابات، ولكن بموجب قانون البرلمانات الثابتة سيتطلب الأمر ما لا يقل عن انضمام 7 نواب محافظين إلى المعارضة لدعم إجراء انتخابات جديدة.
وعاشت “ماى” تجربة كارثية فى الانتخابات العامة التى جرت العام قبل الماضى، حيث فقدت أغلبيتها بمجلس العموم ما يجعل معظم نواب حزب المحافظين يشعرون بالرعب من احتمال إجراء انتخابات لسبب واحد بسيط أنهم قد يخسرون.
لكن وجود احتمال وصول رئيس وزراء اشتراكى راديكالى للحكم كاف لإخافة جميع أعضاء البرلمان من دعم الدعوة لانتخابات عامة مبكرة.
ومع ذلك، فإن الفشل فى كسب تأييد الأغلبية لاتفاق رئيسة الوزراء أو دعم فكرة الاستفتاء الجديد تعنى من الناحية النظرية أن نواب محافظين قد يكونوا مضطرين لدعم رغبة المعارضة لإسقاط حكومتهم.
5. الاستفادة من المادة 50 لتمديد مهلة الخروج
يعارض القاطنون فى «داوننج ستريت» رسمياً تمديد المادة 50 وتأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بعد طلب ذلك من بروكسل، لكن مثل هذه النتيجة أصبحت أكثر احتمالاً، حيث أصبح الوزير مارجوت جيمس أول من يكسر الصفوف قبل التصويت أصلاً ويقول إن الحكومة ستحتاج إذا ما تم رفض اتفاق «ماى» فى البرلمان إلى تفعيل هذا البند.
وتشير التقارير الأخيرة إلى أن المسئولين الحكوميين كانوا يعبرون عن رغبتهم أثناء المناقشة مع الاتحاد الأوروبى فى الاستفادة من إمكانية التمديد حال رفض البرلمان للخطة المقترحة.
ويتحرك حزب العمال أيضاً تدريجياً نحو دعم التمديد، حيث قال وزير الخروج البريطانى فى حكومة الظل كير ستارمر، إن القيام بذلك قد يكون الآن حتمياً، وحتى قيادة حزب العمال تبدو وكأنها تتحول فى هذا الاتجاه، مع تأكيد المتحدث باسم كوربين على أنه بينما هم الآن يضغطون للتمديد قد يحدث ذلك فعلاً بمبادرة من الحكومة.
ومع ذلك، فقد أشار الاتحاد الأوروبي إلى أنه لن يمنح المملكة المتحدة ميزة التمديد وفق المادة 50 فى ظروف معينة مثل التصديق على الاتفاق مع الحاجة لاستعدادت معينة أو إجراء انتخابات عامة، أو إجراء استفتاء ثان.
ومن المرجح أيضاً ألا يستمر أى تمديد إلا لبضعة أشهر، مما يعنى أنه لايزال يتعين اتخاذ قرارات حاسمة فى المملكة المتحدة خلال العام الجارى.
ومن المرجح ألا يتم منح تمديد أطول، إلا إذا كان على «ماى» التخلى عن خطوطها الحمراء للتفاوض على ترك الاتحاد الجمركى والسوق الموحدة، وهو ما التزمت مراراً وتكراراً بعدم القيام به.
6. الخروج بدون اتفاق
هزيمة الحكومة فى معركة فرض الضريبة الذى قدمته وزارة المالية أوضح أنه لا توجد الآن أغلبية فى البرلمان تؤيد الخروج بدون اتفاق.
ومع ذلك، وبموجب أحكام المادة 50 ليس هناك حاجة إلى أغلبية لطلب التمديد، لكن عدم التمديد لأى سبب يعنى أن بريطانيا ستكون خارج سوق أوروبا الموحدة بحلول 29 مارس إذا لم يتم الاتفاق على أى شىء.
ويوجد نوعان مختلفان من الخروج بدون اتفاق يتمثل الأول باعتراف الجانبان فى لندن وبروكسل بعدم قدرتهما على توقيع اتفاق، ومحاولة تقليل الفوضى التى ستضرب الشركات والأفراد إلى الحد الأدنى من خلال التوصل إلى اتفاقات جانبية مخصصة بمجالات مهمة مثل مراقبة الحدود وعقود التمويل عبر الحدود.
البديل الثانى هو خروج قوى وصعب للغاية مع عدم دفع المملكة المتحدة لأى أموال، ورفض الاتحاد الأوروبى الصفقات الجانبية.
ومع ذلك، فإن مثل هذه النتيجة غير مرجحة وفقاً لما قاله تشارلز جرانت فى مركز الإصلاح الأوروبى، الذى يعتقد أن المسئولين عن الفوضى سيصبحون قريباً بغير شعبية مع ناخبيهم؛ كما أن رد فعل الأسواق المالية سيكون أكثر تطرفاً، مع ضعف حاد فى قيمة الجنيه الاسترلينى.
وتبقى الحقيقة أنه لن يتم تجنب خروج بريطانيا بدون إتفاق إلا إذا اتخذت حكومة «ماى» خطوات متعمدة لمنعها وحتى الآن، فإن خيار عدم التوصل إلى اتفاق هو البديل الوحيد بعد رفض البرلمان لخطتها، وإلى أن تختلف هذه التغييرات تظل احتمالية خروج بريطانيا بدون اتفاق واقع حقيقى.