أجهزة الاستشعار تكشف مواقع إخفاء الغواصات النووية فى القاع
فى العشرين من يوليو عام 1960، انطلق صاروخ من المحيط الأطلنطى على ما يبدو يعمل بالوقود الصلب وفى الوقت الذى قام فيه بختراق السطح وانفجر فى السماء، بعد ساعات، تبعها صاروخ ثان وقام ضابط فى غواصة الصواريخ الباليستية يو إس إس جورج واشنطن بإرسال رسالة إلى الرئيس دوايت أيزنهاور: «بولاريس – من العمق الى الهدف»، لقد أكملت أمريكا للتو أول عملية إطلاق ناجحة للصاروخ الباليستى العابر للقارات (ICBM) من تحت المحيط، وبعد أقل من شهرين أجرت روسيا اختبارا مماثلا فى البحر الأبيض فى شمال أركانجيل.
بدأت تلك التجارب مرحلة جديدة فى الحرب الباردة لأن إطلاق صواريخ نووية من قاع المحيط بات ممكنا وبذلك تم ردع أى شكل من أشكال الضربة الأولى النووية حيث تمتلك كل من أمريكا وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا غواصات تعمل بالطاقة النووية وتقوم بدورية دائمة أو شبه دائمة فى المحيطات والبحار الكبرى وهى قادرة على إطلاق صواريخ نووية، ولدى الهند إحدى هذه الغواصات أيضا ويعتقد أن إسرائيل لديها صواريخ نووية لكن على غواصات تعمل بالطاقة التقليدية.
فضلاً عن تهديد العالم بأسره، تشكل الغواصات تهديدا أكثر تحديدا لجنود الدول الأخرى فمعظم الغواصات العسكرية هى قوارب هجومية أكثر منها منصات للصواريخ، وهذا يجعل من الحرب المضادة للغواصات أولوية عالية لأى شخص يريد الاحتفاظ بسفنه التقليدية على سطح الماء.
وتعتمد مثل هذه الحروب على تفسير الكثير من البيانات القادمة من مصادر مختلفة سواء أجهزة الموجات فوق الصوتية على السفن أوالعوامات.
وتسمح التكنولوجيا الحديثة، بأنواع جديدة من أجهزة الاستشعار وطرق جديدة للتواصل يمكن أن تزيد بشكل كبير من إمكانياتها بحسب قول جيم جالامبوس من شركة دابرا ذراع التكنولوجيا المستقبلية فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون».
وتلعب الطائرات دوراً كبيراً حاليا حيث تطير من السفن أو الشواطئ لإلقاء أجهزة استشعار صغيرة للحصول على أفضل فرصة لاكتشاف شيء ما، وهذا مكلف فطائرة تحمل من 8 إلى 10 أشخاص تلقى العوامات وتنتظر حولها للاستماع إليها ومعالجة بياناتها على متنها.
ويقول فريد كوتاراس من شركة الترا الكترونيكس إنه فى المستقبل يمكن تصور زوج من سيارات ذاتية التحكم تسير تحت الماء، موضحاً أن انتشار التقنية يعنى الحصول على معدات رخيصة.
لكن الحصول على المزيد من البيانات ليس أمراً مفيداً إذا لم يكن هناك طرق لتحريكها، أو معرفة مصدرها بالضبط، ولهذا السبب تعمل داربا على نظام تحديد المواقع للملاحة العميقة للمحيطات الذى يهدف إلى توفير موقع قوى وفعال عبر أحواض المحيطات تماما كما تفعل أقمار تحديد المواقع GPS فوق الماء بحسب راى ليزا زورك، التى ترأس البرنامج.
ومن المتوقع أن يستخدم هذا النظام ميزة طبيعية للمحيط تعرف باسم «قناة الصوت العميقة” حيث تعتمد سرعة الصوت فى الماء على درجة الحرارة والضغط وإلى حد ما على الملوحة. وتوجد قناة الصوت العميقة فى العمق حيث توفر هذه العوامل أدنى سرعة للصوت، ويكون الضغط العالى تحتها سببا فى زياد سرعة الصوت بينما يكون للماء الدافئ فوقها نفس التأثير.
تتسبب التغيرات فى زيادة سرعة الصوت وهى ظاهرة تعرف باسم الانكسار، وبالتالي، فإن السرعة الأعلى للصوت فوق وتحت قناة الصوت العميقة تؤدى إلى انحناء الصوت، مما يسمح لها بالانتشار على آلاف الكيلومترات، خاصة إذا كانت أطوال الموجات الصوتية طويلة، ويعتقد بعض علماء الحيوان أن الحيتان تستخدم هذه القناة كجهاز هاتف على مستوى المحيط.
ويعنى هذا التطور على الصعيد العسكري، ان الغواصات لن تكون مضطرة مع وفرة البدائل إلى تشغيل محركها 24 ساعة لجمع البيانات والمعلومات مما يعنى أن النفايات خاصة الذرية ستكون اقل بكثير.
كما أن الاعتماد على القوارب السطجية ذاتية القيادة سيقلل من الاعتماد على الطائرات بدون طيار مما يجعلها متفرغة أكثر للمهام الأمنية وللأشياء المفيدة الأخرى.
وبدلا من استخدام الغواصات بحسب بريكسى ويليامز فإنه يمكن الآن مراقبة نقاط الاختناق المهمة، مثل الفجوة بين اسكتلندا وأيسلندا، بشكل كامل من خلال مجموعة مكونة من 15 مجساً صوتياً فقط بل وأكثر تطورا بكثير من سلسلة المحطات المائية التى قامت بهذا العمل إبان الحرب الباردة، وفوق كل ذلك ستؤدى التكنولوجيا الجديدة إلى الكشف عن أماكن الغواصات المخفية فى قاع المحيطات.
ويعد وجود عدد أكبر من أجهزة الاستشعار المتطورة ذات الشبكات الأفضل امرا حيويا لكنه لن يجعل الغواصات عديمة الجدوى قريبا، ولكن حتى بدون طفرات يمكن أن يؤدى الوضع الحالى إلى تآكل القاعدة الاستراتيجية التى قادت التفكير النووى لأكثر من نصف قرن وهى أن الضربة النووية الثانية لا يمكن وقفها حيث تطلق من الغواصات المخفية.