بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادي لمجموعة “أليانز”، والمؤسس المشترك لصندوق “بيمكو”
سيتفق مراقبو البنك المركزى، على أن اجتماع السياسة الأسبوع الماضي سجل النهاية الرسمية لأول محاولة من قبل رئيس “الاحتياطي الفيدرالي” جيروم باول، لقيادة الأسواق بدلا من الاستسلام لرغبتهم.
ولكن ما سيختلفون فيه قليلا هو الأسباب الرئيسية لهذا التحول.
والإجابة على هذا التساؤل الأخير، ستحدد ما إذا كان ” الفيدرالي” سيقوم بمحاولة أخرى تجاه الانفصال الأكبر والاستقلال السياسي عن الأسواق.
ومنذ أن تولى باول رئاسة “الفيدرالي”، سعى لتوصيل رسالة محددة إلى الأسواق بشأن مزيد من تطبيع السياسة النقدية. كما سعى لبناء مرونة سياسية حال وقوع ركود مستقبلي، ولتقليص مخاطر عدم الاستقرار المستقبلي في الأسواق.
وهذا النهج ظهر بثلاثة طرق رئيسية.. الرفع التدريجي والمتواصل في أسعار الفائدة، والإشارة إلى المزيد من الرفعات ذات المعنى، والتقليص المتوقع والمخطط بوضوح في الميزانية، والتي نمت لحجم غير مسبوق بسبب برنامج شراء الأصول واسع النطاق المعروف بالتيسير الكمي.
وأصبحت الأسواق غير مرتاحة بشكل متزايد مع هذا النهج وسط المخاوف بشأن تباطؤ النمو عالميا، والتوترات التجارية المتزايدة بين أمريكا والصين، واستمرار الارتفاع في قيم الأصول الخطرة.
ورغم أن أداء الاقتصاد الأمريكي ظل قويا، فقد أدت هذه المخاوف إلى موجة بيع كبيرة عندما رفع المسئولين في الفيدرالي توقعاتهم لأسعار الفائدة وأكدوا أن تطبيع الميزانية على نظام التقليص “الذاتي”.
ومع تصاعد موجة البيع، زادت مخاطر تحولها لاختلالات أكبر، ما دفع “الفيدرالي” لتغيير نبرته، وتحدث عدد من المسئولين في “الاحتياطي الفيدرالي” لصالح وتيرة أقل عنفا في الرفع المستقبلي لأسعار الفائدة من تلك التي ظهرت بشكل رسمي في المخطط النقطي (الذي يصدره الفيدرالي بشكل دوري ويظهر توقعات المسئولين داخله عن وتيرة الرفع)، وأشار المسئولين أيضا إلى احتمالية اتباع نهج أقل صرامة مع تقليص الميزانية، وحدث كل ذلك رغم أن مؤشرات سوق العمل الأمريكي واصلت الانتقال من قوة إلى قوة.
وتضمن بيان “الفيدالي”، الأربعاء الماضي، أمرين أراد المستثمرون سماعهما بشدة، وهما أن “الفيدرالي” سيكون “صبورا” بشأن الرفع المستقبلي لأسعار الفائدة، وأنه سيكون مرنا فيما يتعلق بالميزانية.
وبالطبع استجابت الأسواق كالمعتاد لتصريحات الفيدرالي، وارتفعت الأسهم، وهبط الدولار وعائدات السندات.
وسيقدم المحللون تفسيرات عدة لهذا التحول الكامل المذهل، وسوف يجادل بعضهم بأن باول تعلم الآن ما تعلمه أسلافه، وأنه عندما يكون الاقتصاد عالي الاستدانة، وتزداد الضغوط، تقود الأسواق البنوك المركزية وليس العكس.
ويرى آخرون أن هذا التغير في المسار ، دليل على أن “الفيدرالي” يستسلم للضغوط السياسية.. وغيرهم سيرونه اعترافا بحساسية الاقتصاد الأمريكي للآثار المرتدة من تراجع الزخم الاقتصادي في أوروبا والصين.
كما قد يراه البعض بمثابة إشارة على أن “الفيدرالي ” يشعر أن النمو الأضعف في الناتج المحلي الإجمالي الذي سيحدث الربع الحالي، يرجع إلى أكثر من الإغلاق الجزئي للحكومة.
ويشير السببان الأولان، إلى أن المصرفيين المركزيين لن يكونوا حريصين للغاية على محاولة كسر اعتمادهم على الأسواق.. على الأقل ليس في وقت قريب.
أما السببان الثانيان، فيوحيان باحتمالية أعلى أن يعكس “الفيدرالي” سياسته مستقبلا.
وبالنسبة إليّ، فإن أكبر مأخذ، هو أن الإزالة المحسوبة للتدابير غير التقليدية أكثر صعوبة مما توقع الكثيرون، ولا يوجد سبب لأن نتوقع أن هذا سيتغير سريعا في غياب تحسن ملحوظ في الاقتصاد العالمي، وفي ظل ذلك، سوف تكون البنوك المركزية عن غير قصد مشعلة للتقلبات السوقية من وقت لآخر سواء للأعلى أو للأسفل، وهو تحول صريح عن دورهم السابق كقامعين فعالين للتقلبات.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”