التحولات الهيكلية في أنماط التجارة تقلص القوة العاملة منخفضة الأجر
يبدو أن نافذة القوى العاملة الرخيصة التي تعتمد عليها الدول النامية لدفع نمو الصادرات آخذة في الانغلاق، وفقا لما ذكره معهد ماكينزي العالمي.
قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن المركز البحثي يخشى أن تتسبب التحولات الهيكلية بأنماط التجارة العالمية، في صعوبة مواصلة الدول الأفقر لنموها الاقتصادي السريع عبر التصنيع، وهو نموذج تتبعه كل دولة تقريبا للوصول إلى وضع متقدم.
وقالت الشريكة في معهد ماكينزي العالمي في واشنطن، سوزان لوند : “على مدى عقود، كان ينظر إلى تعزيز عمليات التصنيع كثيفة العمالة من أجل التصدير على أنها أفضل استراتيجية يمكن للدول منخفضة الدخل اتباعها لتحسين نموها الاقتصادي، ولكن هذه الفرصة تنخفض الآن”.
وأضافت: “لا أعتقد أن النافذة قد أغلقت تماما أمام هذا النوع من التنمية، ولكنها آخذة في الانغلاق، وبعد 10 أعوام من الآن ستكون النافذة صغيرة جدا”، مشيرة إلى أن ميزة وجود قوة عاملة كبيرة بأجر منخفض آخذة في الانخفاض أيضا.
ونتيجة لذلك، ربما تحتاج الدول التي بدأت للتو، السعي إلى التصنيع كثيف العمالة من أجل التصدير، مثل تنزانيا وإثيوبيا، إلى رفع أعداد العمالة لديها سريعا قبل إغلاق نافذة الفرص.
ويأتي هذا التحذير بعد أن قال الاقتصادي في الأسواق الناشئة لدى شركة “ليجال أند جنرال انفستمنت ماندجمنت”، إريك لويس، في يناير الماضي، إن الكثير من الدول تتخلف عن البقية، إذ تستسلم تلك الدول إلى انخفاض أعمال التصنيع السابقة لأوانها.
وتشير أبحاث “ماكينزي” إلى أن أهمية المراجحة العمالية- أي الاستعانة بعمالة خارجية ذات تكلفة منخفضة- آخذة في الانخفاض في معظم قطاعات التصنيع التي تحتاج إلى عمالة كثيفة، ومنها المنسوجات والملابس والأثاث والألعاب، وهي قطاعات تستهلك أكثر من ثلثي الدخل ومعظمها يحتاج إلى مهارات منخفضة.
ووجدت “ماكينزي” أن 43% من التجارة في المنسوجات والملابس كانت تستند إلى المراجحة العمالية في عام 2017، وهي الصادرات القادمة من دول يبلغ نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي خمس أو أقل من مثيله في البلد المستورد، مقارنة بنسبة 55% في عام 2009.
وانخفضت المراجحة العمالية الخاصة بتصنيع الأثاث واﻷلعاب والسلع الأخرى التي تتطلب عمالة كثيفة من 43% إلى 35% خلال الفترة نفسها.
وأوضحت لوند، الشريكة في “ماكينزي”، أن انخفاض أهمية المراجحة العمالية كان نتيجة مفاجئة، ولكنها جيدة للغاية خصوصا في ظل ما يتم سماعه من الشركات.
واستشهدت بشركة “لينكولن إلكتريك”، العاملة على تصنيع منتجات اللحام في أوهايو، كمثال على المراجحة العمالية.
فرغم أن عمليات الشركة تتواجد في الصين، إلا أنها اختارت التوسع في ولاية أوهايو، في ظل تبنيها مزيدا من تكنولوجيا الإنتاج الآلية.
وأضافت لوند: “بما أن تكنولوجيا الإنتاج تسير بشكل آلي للغاية، فإن تكاليف العمالة ستشكل جزء صغير من اﻷمر”، مشيرة إلى أنه رغم الفرق في اﻷجور إلا أن التكلفة ستكون مماثلة في أوهايو.
وأوضحت أن تكاليف العمالة ليست اﻷمر المهم في عملية الإنتاج، بل إن ما تركز عليه الشركات هو سرعة السوق، خصوصا في مجال المنسوجات والملابس، وهو ما يشكل ضربة للدول النامية.
وذكرت “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن إعادة العمل إلى الغرب يسمح أيضا للشركات بإقامة علاقات أوثق مع مورديها لتحقيق التعاون في عمليات الإنتاج والمعدات، في حين أن دمج عمل عدة موردين في سلسلة التوريد في الوقت المناسب أصبح أكثر سهولة كذلك.
وذكرت ماكينزي أن كثافة التجارة، وهي نسبة إجمالي الصادرات إلى إجمالي الدخل، ارتفعت بسرعة من عام 1995 إلى عام 2007، و بلغت ذروتها آنذاك عند 28.1%. ومنذ ذلك الحين تراجعت إلى 22.5%.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت التجارة إقليمية بقدر أكبر، وانخفضت حصة السلع المتداولة داخل المنطقة نفسها من 51% في عام 2000 إلى 45% في عام 2012، ولكنها ارتدت إلى 47.7%، بقيادة آسيا وأوروبا، مما يقلص حيز بيع الدول الناشئة إلى دول الغرب الغنية.
وقالت “ماكينزي”، إن منافع القوى العاملة الكبيرة ومنخفضة التكلفة تتلاشى بسبب الطبيعة المتزايدة لكثافة المعرفة الخاصة بسلاسل القيمة العالمية.
ووجدت أن الإنفاق الرأسمالي على البحث والتطوير والأصول غير الملموسة، مثل العلامات التجارية والبرمجيات والملكية الفكرية، عبر جميع سلاسل القيمة، ارتفع من 5.4% من العائدات في عام 2000 إلى 13.1% في عام 2016. فهذا التركيز الأكبر على المعرفة واﻷمور غير الملموسة يأتي في صالح الدول ذات القوى العاملة العالية المهارة.
وأوضحت الصحيفة ، أن التحول المتزايد في الاقتصاد العالمي بعيدا عن السلع المادية إلى الخدمات يعد اتجاها معاكسا آخر للأسواق الناشئة.
وفي حين أن السلع لا تزال تهيمن على الوضع، إذ بلغ إجمالي التجارة 17.3 تريليون دولار عام 2017 من بينهم 5.1 تريليون دولار للخدمات، فإن قطاع الخدمات نمى بنسبة 60% خلال العقد الماضي.
أوضح “ماكينزي” إن هذا يحد من أهمية الخدمات، نظرا لأنها تمثل حوالي ثلث قيمة السلع المصنعة المتداولة، في مجالات منها البحوث والتطوير والمبيعات والتسويق والتمويل والموارد البشرية.
وأكدت لوند، أنه في الوقت الذي كان يشكل فيه التحول مشكلة بالنسبة للأسواق الناشئة ككل، تمكنت بعض الدول من إيجاد سوق مربحة.
وأضافت لوند أن بعض الدول، منها كوستاريكا والهند والفلبين، تفوقت في تصدير الخدمات، ومع ذلك، ربما لا يكون هذا كافيا، خصوصا أن جزءا كبيرا من نجاحها يكمن في الخدمات القابلة للتشغيل الآلي، مثل مراكز الاتصال، لذا من غير المعتقد أن يكون هذا النجاح مستداما للغاية.
وعلاوة على ذلك، نجحت بعض الدول الأخرى، خصوصا فيتنام، في زيادة الصادرات التي تحتاج إلى عمالة كثيفة، حتى عندما أصبحت أقل أهمية على المستوى العالمي.
ومع ذلك، كانت الصعوبات اﻷكبر تكمن في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، نظرا لمستويات التحول المنخفضة داخل البلاد في هاتين القارتين، في عالم تتزايد فيه سلاسل التوريد الإقليمية، في حين أن بصيص اﻷمل ربما يكمن في التقدم الذي تحققه بعض دول شمال إفريقيا، مثل المغرب، في الصناعات كثيفة العمالة التي تصدر للسوق الأوروبية.