من الصعب أن يدافع المرء عن نفسه بأيد مكبلة خلف ظهره، ولكن رغم صعوبة اﻷمر إلا أنه طُلب من منطقة اليورو القيام به مراراً وتكراراً، فكلما وجهت إليها ضربة يتعين عليها استخدام السياسة النقدية وحدها.
وأوضحت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، أن البنك المركزى الأوروبى خفض أسعار الفائدة إلى صفر وما دونها، واشترى السندات وقدم قروض رخيصة للغاية للبنوك، كما أنه استخدم السياسة المالية بالكاد، تلك السياسة التى تسببت أحياناً فى ضرر أكثر من نفع، بالإضافة إلى ذلك، أجبرت أزمات الديون، التى عانت منها دول منطقة اليورو، حكومات دول جنوب الكتلة على التقشف، أما أولئك المتواجدين فى الشمال فقد اختاروا اتباع اﻷمر نفسه.
وقالت المجلة، إن الاقتصاد يناضل مرة أخرى، كما أن القوة النارية للبنك المركزي الأوروبي تتلاشى، فرغم إعلانه، في بداية مارس الجاري، إبقاء أسعار الفائدة ثابتة حتى نهاية هذا العام على الأقل وتوسيع برنامج القروض الرخيصة للبنوك، إلا أنه من غير المتوقع وصول معدلات التضخم إلى نسبتها المستهدفة، كما أن أسعار الفائدة لديه تقف عند أسوأ حالاتها بالفعل.
وفى الوقت نفسه، لا يمكن توسيع برنامج شراء السندات التابع للبنك المركزى اﻷوروبى بسهولة لأن حيازاته من سندات الحكومة الألمانية تقترب من الحدود القانونية، ومن المتوقع تخفيف السياسة المالية فى منطقة اليورو، للمرة اﻷولى منذ نحو 10 أعوام، خلال العام الجارى، ولكن نطاق التخفيف سيكون ضئيلا وتكوينه لن يكون الأنسب لدفع النمو الاقتصادى.
وأوضحت المجلة أن دول منطقة اليورو لا تمتلك موازنة مشتركة، رغم أن وزراء مالية أعضائها ناقشوا هذا اﻷمر فى 11 مارس الجارى، لذا فإن السياسة العامة ستكون مجموع الخطط المالية لكل دولة على حدة.
وتشير هذه الخطط إلى عجز إجمالي أوسع نطاقا في عام 2019، بنسبة 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي، فالعجز آخذ في الازدياد في إيطاليا، ويسير اﻷمر كذلك بالنسبة لفرنسا، التي يمكن أن يرتفع العجز لديها بشكل أكبر إثر تقديم تنازلات للمتظاهرين فى نهاية العام الماضى، فى حين تخطط ألمانيا لتحقيق فائض أصغر نطاقاً.
ويتوقع فابيو بالبونى الخبير لدى بنك “أتش.أس.بي.سي”، أن تضيف السياسة المالية بين 0.2% و0.3% إلى نمو الناتج المحلى الإجمالى فى المنطقة خلال العام الجاري، فكل قليل يساعد فى النمو، رغم أنه لايزال قليلاً، وتتمتع بعض الدول بمساحة أكبر للمناورة أكثر من غيرها، ومع ذلك ربما لا تستفيد تلك الدول من هذه الميزة إلى أقصى حد.
وتأثرت كل من ألمانيا وإيطاليا بشدة، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى تباطؤ الطلب على صادراتهما، ولكن فى حين أن ألمانيا لديها الكثير من المجال المالى، قد تخاطر إيطاليا، التى يرتفع دينها العام لأكثر من 130% من الناتج المحلي الإجمالي، بإخافة الأسواق المالية مرة أخرى إذا امتلكت نفس الميزة.
وأضاف بالبوني أن الكثير من الحوافز المتوقعة تأخذ شكل تخفيضات ضريبية وزيادة المكاسب، نظرا لإمكانية اختيار الأشخاص للإدخار بدلا من إنفاق المزيد من الأموال النقدية، مما يتسبب في نمو الاقتصاد بشكل أقل من الاستثمار العام، كما أنه يساعد أيضا في تحقيق استفادة من الإمكانيات الاقتصادية المتزايدة.
ولم يتعاف الاستثمار العام بعد من التخفيضات العميقة التي عانى منها خلال سنوات الأزمة، فلا تزال حصتها من الناتج المحلى الإجمالى فى منطقة اليورو أقل مما كانت عليه في عام 2007، ففى ألمانيا، على سبيل المثال، تنخفض نسبة الاستثمار العام عن متوسط المنطقة.
وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي نشرت بداية مارس الجاري توقعات اقتصادية قاتمة لمنطقة اليورو، ارتفاع نسبة نمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 1% على المدى الطويل، إذا أنفقت الدول التي تتمتع بمجال لتخفيف السياسة، مثل النمسا وهولندا وألمانيا، 0.5% إضافية من الناتج المحلى الإجمالي لمدة 3 أعوام، بجانب الدول التى أجرت إصلاحات هيكلية.
وأوضحت “ذا إيكونوميست” أن فكرة خلق موازنة مشتركة بين دول منطقة اليورو تستهدف على الأقل تشجيع الاستثمار العام والإصلاح الهيكلي، ولكن في ظل إصرار دول الشمال، الرافضة لفكرة التحويلات المالية إلى دول الجنوب التي من المفترض أن تكون مسرفة، لا يمكن استخدام الموازنة لتحقيق الاستقرار فى الاقتصاد فى الأوقات العصيبة.
وفى الوقت نفسه، لايزال هناك تهديدات كثيرة، بداية من الحمائية الأمريكية وحتى التباطؤ الصينى وخروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبى، ولكن في ظل عدم تمكن منطقة اليورو من العمل بكامل طاقتها يمكن أن يكون اقتصاد المنطقة فى وضع صعب بشكل متكرر.