بقلم: كارولين فرويند
مديرة التجارة والتكامل الإقليمى والمناخ والاستثمار فى البنك الدولى
فى الوقت الذى تباطأت فيه مجهودات مكافحة الفقر حول العالم، كانت أحدث التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد العالمى يتجه لفترة من عدم اليقين العميق، وهو ما يجعل تدابير تعزيز النمو وتوسيع الفرص الاقتصادية أكثر إلحاحاً، ولذلك يعد تنشيط التجارة على قائمة الاجندة السياسية العالمية، وكل الدلائل تشير إلى أن التجارة تنجح كمحرك للنمو الاقتصادى وأداة حيوية لمكافحة الفقر.
وفى ظل التوترات التجارية اليوم، من السهل عدم رؤية التقدم الذى أحرزه العالم على مدار عقود التكامل الاقتصادى القليلة الماضية.
ومنذ 1990، تمكن أكثر من مليار شخص من الهروب من براثن الفقر بفضل النمو الذى عززته التجارة، واليوم تتاجر الدول مع بعضها البعض وتعمق العلاقات الاقتصادية بوتيرة أسرع من العقود الماضية، وهناك حالياً أكثر من 280 اتفاقاً تجارياً حول العالم، مقارنة بـ 50 اتفاقاً فقط فى 1990، وحينها كانت حصة التجارة من الناتج المحلى الإجمالى حوالى 38%، أما فى 2017 وصلت 71%.
وتعد التجارة المفتوحة مفيدة بشكل خاص للفقراء، لأنها تقلل تكلفة ما يشترونه وترفع سعر ما يبيعونه، وكما أوضح تقرير حديث من البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، يكسب المزارعين والعاملين فى القطاع الصناعى دخلاً أكبر عندما تصل منتجاتهم إلى الأسواق الخارجية.
ففى فيتنام، على سبيل المثال، ساعدت مجموعة من الإصلاحات التجارية فى الثمانينيات والتسعينيات في تحول الدولة إلى قوة تصديرية، ما قلص الفقر بحدة هناك، واليوم تولد صادرات فيتنام 30% من عمالة القطاع الخاص، وتقترب نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالى، وهى مؤشر على انفتاح الاقتصاد – من حوالى 200% وهى النسبة الأعلى بين الدول متوسطة الدخل.
وبالمثل، كشفت دراسة منفصلة عن قطاع التصنيع فى 47 دولة أفريقية أن العاملين في الشركات القائمة على التصدير، يكسبون أكثر من الشركات غير التصديرية بنسبة 16%، ورغم أن النساء والرجال الذين عملوا فى الشركات التصديرية يجنون أجوراً متشابهة، فإن الرجال في الشركات غير التجارية يجنون أكثر من النساء، وتسلط هذه الأدلة الضوء على وعود التجارة المفتوحة، ولكن لا يستفيد الفقراء من التجارة بشكل تلقائى، وفي الواقع يشير بحثنا إلى تحديات صعبة.
فعلى سبيل المثال، قد تفقد مجموعة من العمال دخلها نتيجة زيادة المنافسة من الواردات، وقد يواجه البعض الآخر عوائق “بخلاف الحدود” مثل تنافسية محدودة في النقل والتوزيع، والبنية التحتية الضعيفة، ونقص المعلومات بشأن الفرص الجديدة، وهو ما يقلل فوائد التجارة.
وأخيراً، أوضح بحثنا أن التجارة يمكن أن يكون لها تأثير متفاوت على الفقراء، وفقاً لظروف معينة مثل وصول المرء للبنية التحتية الداعمة للتجارة، وجنسه، وسواء كان يعيش فى منطقة ريفية أو حضرية.
وتظهر هذه الآليات بوضوح فى الهند، حيث تواجه المنتجات المصنوعة فى مناطق ريفية تعريفة فى الأسواق الدولية أعلى بنسبة 11% عن تلك المنتجات المصنوعة في شركات حضرية، وبالمثل، على الحدود بين لاوس وكمبوديا، تدفع النساء رسوماً أعلى للمسئولين فى الجمارك، كما أن بضائعهم أكثر عرضة للحجز من تلك التى يتاجر بها الرجال.
وفى أوغندا، حيث يعمل 70% من الشعب فى الزراعة، وتؤدى الجودة المنخفضة للنقل وتكلفته العالية إلى منع معظم المنتجين من بيع منتجاتهم إلى المستهلكين الأجانب.
ويمكن للحكومات أن تقلص هذه القيود من خلال تطبيق الإصلاحات التجارية المناسبة، بجانب تخفيض تكاليف الصفقات، وتعزيز المنافسة، ووضع قواعد واضحة للتجارة عبر الحدود، ونحن نعرف أن التجارة المفتوحة يمكن أن تقود التنمية، ولكن الاعتماد بسلبية على الصادرات لتعزيز النمو الاقتصادى وتقليص الفقر ليس كافياً، وإنما نحتاج لتطبيق مزيد من الإصلاحات لخفض الحواجز التعريفية وإزالة التدابير التنظيمية المشوهة للتجارة، كما يجب القيام بالمزيد لتسهيل الاستثمار فى البنية التحتية كالطرق وطرق الشحن ونظم التجارة الإلكترونية التى تربط الناس بالأسواق.
ولسوء الحظ، أظهرت توقعات منظمة التجارة العالمية مؤخرا أن النمو في التجارة العالمية يتعثر، مما يهدد آفاق النمو الاقتصادى الأسرع ومجهودات القضاء على الفقر، ونحن نحتاج بشدة إلى معالجة جذور التوترات التجارية العالمية، وتحرير النظم التجارية القائمة على القواعد، والسعى وراء المزيد من التحرير التجارى، وأثبتت التجارب أن هذا هو أكثر الطرق فاعلية لدفع النمو الاقتصادى الشمولى والمستدام، وخلق فرص جديدة، وتقريبنا إلى هدفنا المتشرك فى النهاية وهو القضاء على الفقر المدقع.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت