لا يزال أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، فى شبه الجزيرة العربية، يعتمدون بدرجة كبيرة على البترول من أجل النمو.
وفى الوقت الذى تراقب فيه البلدان المنتجة للبترول فى الشرق الأوسط، حصتها من السوق العالمي، يشهد الإنتاج الأمريكى ارتفاعاً، ولا يظهر أى مؤشر على التباطؤ.
ورغم أن المخاوف المتعلقة بتغير المناخ والتقدم فى تكنولوجيا الطاقة النظيفة، يمكن أن تضع سقفاً للطلب بحلول منتصف القرن الحالى. ولم تكن حاجة بلدان الشرق الأوسط لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن البترول أكثر قوة.
وذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، أن أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» فى شبه الجزيرة العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، تتحمل وطأة محاولات المنظمة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن الأمر لا يقتصر فقط على تقليص الحصة الخاصة بهم، ولكن يُطلب منهم إجراء أكبر التخفيضات فى وقت يتمتعون فيه بأفضل سجل فى الوفاء بتعهداتهم.
وعلى النقيض، تتمتع إيران والعراق العضوان الآخران فى منظمة «أوبك» فى الشرق الأوسط ، بسجل ضعيف فى الالتزام بأهداف الإنتاج.وشهدت الجولة الأخيرة من إدارة العرض والتى بدأت فى يناير الماضي، تكرار هذا النمط، إذ تحملت المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت أكثر من %60 من التخفيض المتفق عليه من دول «أوبك».
وكشفت البيانات، أنه فى أول شهرين من تنفيذ الاتفاق مثلت الدول الثلاث 85% من التخفيضات الفعلية التى قامت بها المنظمة.
وأشارت الوكالة إلى أنه لا يوجد أى مؤشر على أن هذه الحاجة إلى ضبط النفس، ستنتهى فى أى وقت قريب، إذ تفوق إنتاج البترول الأمريكى على كل من المملكة العربية السعودية وروسيا اللتين كانتا فى السابق أكبر منتجين فى العالم.
وعلى مدار العامين ونصف العام الماضيين، كان هناك 4 ملايين برميل يومياً فى إنتاج البترول بعيداً عن المملكة العربية السعودية متجهاً نحو الولايات المتحدة.
وتتوقع وزارة الطاقة الأمريكية، أن يرتفع إنتاج واشنطن إلى 13.5 مليون برميل يومياً بحلول نهاية عام 2020.. وهذا أكثر من الإنتاج اليومى الحالى المشترك للمملكة العربية السعودية والإمارات.
وذكرت «بلومبرج»، انه إذا بدا أن معدل إنتاج الولايات المتحدة على المدى القصير يمثل تحدياً لمنتجى البترول فى الشرق الأوسط، فإن المدى الطويل سيكون أكثر صعوبة.
وهناك إجماع متزايد على أن نمو الطلب العالمى على البترول سيتباطأ إلى ما يقرب من الصفر فى وقت ما فى النصف الأول من القرن الحالى.
يأتى ذلك فى الوقت الذى لا تزال فيه الآراء تختلف اختلافاً كبيراً بشأن متى قد يحدث ذلك ولكن ينبغى للبلدان المعنية التى تحتفظ بالاحتياطيات المؤكدة التى ستستمر لعدة عقود بمعدلات الإنتاج الحالية أن تشعر بالقلق. وأضافت الوكالة، أنه لا يمكن اعتبار الارتفاع المطرد فى سعر البترول أمراً مفروغاً منه، وهذا قد يغير حساب ما إذا كانت البلدان تريد حفظ أو إنتاج كميات هائلة من الهيدروكربونات المحصورة تحت الرمال والبحار فى الشرق الأوسط بسرعة أكبر.
وتتمثل إحدى طرق تسريع إنتاج البترول فى فتح قطاع البترول الخام من الاستكشاف والإنتاج أمام المستثمرين الأجانب، خاصة بعد أن حقق هذا الأمر نجاحاً كبيراً فى العراق الذى يضاعف إنتاجه منذ عام 2010 بعد منح عقود لإعادة تأهيل الحقول فى جنوب البلاد لاتحادات الشركات الأجنبية.
وكانت الإمارات قد اعتمدت، أيضاً، على الاستثمار الأجنبى لتكملة أنشطة شركة البترول الحكومية.
ولكن الأوضاع فى المملكة العربية السعودية والكويت مختلفة إلى حد ما، خصوصاً بعد إعلان وزير الطاقة السعودى خالد الفالح، للصحفيين فى يناير الماضى عندما سئل عما إذا كانت المملكة ستفتح شركة البترول الحكومية «أرامكو» أمام المستثمرين الدوليين، إذ أجاب بأنه لا توجد نية على الإطلاق للتخلص من هيمنة الشركة على أصول البترول والغاز.
ويصور المعارضون، سهولة المشاركة الأجنبية فى قطاع البترول السعودى على أنها عودة إلى عصر ما قبل التأميم فى الخمسينيات والستينيات.
وأشارت الوكالة إلى أنه فى ذلك الوقت كانت صناعة البترول تسيطر عليها الشركات الأجنبية التى فازت بتنازلات تغطى مساحات شاسعة من البلاد وتستمر لعقود.وكانت الصراعات بين الحكومات وشركات البترول الأجنبية حول الإيرادات والسيطرة هى التى أدت إلى تشكيل «أوبك» فى عام 1960.
وفى الكويت، واجهت خطط الحكومة لجلب المستثمرين الأجانب إلى قطاع البترول فى مرحلة التنقيب، معارضة برلمانية منذ عقود. وفى عام 1998 دعت الحكومة شركات البترول الأجنبية للاستثمار فى مشروع الكويت، وهى خطة بقيمة 7 مليارات دولار لتوسيع الإنتاج من خمسة حقول نفطية فى شمال البلاد، ولكن بعد مرور 20 عاماً لم يكتمل المشروع حتى الوقت الحالى.
وأوضح معارضو إدراج الشركات الأجنبية فى مشروع الكويت، أن شركة البترول المملوكة للحكومة، لديها القدرة على تطوير الحقول بمفردها، وأن وجود شركات أجنبية لمدة 20 أو 30 عاماً بمثابة خرق للدستور الكويتى.
وتوجد شكوك عميقة لدى بعض البرلمانيين حول كيفية اختيار الشركات الأجنبية. وتراوحت المزاعم بين الافتقار إلى الشفافية من جانب الحكومة إلى اتهامات بالفساد.
وفى الوقت الذى تسعى فيه دول الشرق الأوسط الغنية بالبترول إلى تنويع اقتصاداتها تظل مبادئ قومية الموارد هذه بارزة فى المملكة العربية السعودية والكويت، ما يغلق مصدراً للاستثمار الداخلى وفرص العمل المحتملة فى تلك البلدان.
ويبدو أن محاولات تنويع هذه الاقتصادات تدور حول استخدام مزيد من الخام الذى يضخونه عن طريق تكريره إلى وقود أو منتجات بتروكيماوية أو استثمار صناديق الثروة السيادية خارج البلاد.
ورغم أن هذه الاستثمارات قد تولد دخلاً، فإنها تقدم فائدة قليلة من حيث التوظيف.. ولذلك يبدو أن التنويع الاقتصادى الحقيقى لا يزال بعيد المنال.