بقلم/ تايلر كوين، كاتب مقالات رأى لدى بلومبرج، وأستاذ الاقتصاد فى جامعة جورج ماسون
تعد مبادرة التنمية الاقتصادية العالمية التي تطلق عليها الصين “حزام واحد.. طريق واحد” أحد الأدوات الرئيسية لبكين فى صراعها الجيوسياسى مع الولايات المتحدة، ولكنها على الأرجح لن تفعل شيئاً لتعزيز نفوذ الصين فى الوقت الذى تساعد فيه أغلب العالم.
وتستثمر الصين فى أصول ثابتة وبنية تحتية من جنوب شرق آسيا إلى دول البقان وشرق أفريقيا، وهذا يضعها فى خطر أن تقوم الدول المستقبلة بتأميم الأصول بدون إعطاء الصين أي قيمة مشابهة فى المقابل، وهو درس تعلمته الولايات المتحدة عندما فقدت السيطرة على قناة بنما وأصول البترول السعودية.
وقد صعقتُ من اتفاق فى الآونة الاخيرة بين الصين ومونتينجرو، والذي يمنح الصين الحق فى الحصول على أرض فى مونتينجرو كضمان في حالة لم تسدد الأخيرة ديونا معينة، وهو ما آثار استياء الشعب فى مونتينجرو، وجعل الصين تبدو كدولة استعمارية ذات خطط إقليمية، ولكن هناك أيضاً تفسير حميد أكثر، وهو أن الصين تطلب أرضاً كضمان لأنها تعلم أن مونتيجرو ليست ذات جدارة ائتمانية، وهذا القرض قد أرسل نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى في الدولة إلى حوالي 80% من 63% في 2012.
ولنضع ذلك في سياق، ودعونا نفترض أن هناك قروضاً تهدد بكسر أصابع المقترضين إذا لم يسددوا، فسوف تستنتج قريباً أن ما يقرضهم يحملون مخاطر عالية.
وجوهرياً، تلعب الصين دور حوت القروض، ويبدو أن هذه ليست الطريقة المعتادة في العالم اليوم، وإذا افترضنا أن الصين اتخذت جزءاً من الأرض في مونتينجرو، كتعويض عن قرض معدوم، فقد تجد أن حملها لهذا الأصل يجلب لها مشكلات أكبر من قيمته، وبالفعل، قررت أمازون، على سبيل المثال، الانسحاب من اتفاق مع ولاية نيويورك بسبب العدائية فى بعض أجزاء المدينة، وإذا حاولت الصين بيع الأرض، فإن المشترى المحتمل الجديد قد لا يضمن أبداً حصوله على أوراق نافذة تضمن امتلاكه للأرض.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بمبادرة الحزام والطريق، على الأقل من وجهة نظر الصينيين، وهو أن الصين تتعامل مع الكثير من الدول الأصغر بكثير من حيث الناتج المحلى الإجمالى، وعادة تميل الدول الصغيرة إلى التراجع عن الاتفاقات أملاً فى أن المقرضين الكبار لن يهتموا بتأديبهم، وربما تعتقد أنت أنه من الأسهل على الصين أن تضغط على الدول الأصغر، وربما هناك شيئاً من الحقيقة في ذلك، ولكن الصين تعلم وكذلك الدول الصغيرة أنها لا تمتلك مصائرها، وبالتالى أى عقاب من الصين قد يكون له نتائج عكسية أو فى بعض الأحيان لا يستحق العداوة التى سيولدها، وهل وجدت الولايات المتحدة إغراء هندوراس وغواتيمالا لمنع تدفق المهاجرين نحو حدودها سهلاً؟
وأيضاً خذ فى اعتبارك أن التهرب من الديون له أشكال عدة، فأنت لا تعتقد أن مونتينجرو، أو المقترضين الآخرين من الصين سيستيقظون يوماً ويقررون ببساطة عدم دفع الديون، وإنما سيتصرفون بشكل معقول أكثر، وسيتواصلون مع الصين يخبرونها أنهم يتوقعون مشاكل مالية فى المستقبل القريب إذا لم يتم تيسير شروط الاقتراض أكثر أو إعادة التفاوض على بعض العقود القديمة.
وهذه ليست لعبة رابحة للصين، فماليزيا، على سبيل المثال، قد أعادت التفاوض على خط سكة حديد، وخفضت الصين التكلفة بحوالى الثلث لأن الاتفاق السابق لم يحظ بشعبية فى ماليزيا.
وعلى رأس جميع هذه المشكلات الاقتصادية، أثبتت الصين عدم قدرتها على إضافة القوة الناعمة لأساليب الإقناع واستخدام التأثير الدبلوماسى والثقافى فى مبادرة الحزام والطريق، وهذا ليس من قبيل الصدفة، ولا لأنه يعكس نوعا من العند وعدم رغبة الصينيين فى استخدام أدوات القوة الناعمة، ولكن المشكلة هيكلية بالنظر إلى أن الحكومة الصينية لا تستمد شرعيتها من خلال القنوات الديموقراطية وإنما يتم تسخير معظم دبلوماسيتها وسياستها الخارجية لإرضاء الجماهير المحلية، سواء الشعب أو التحالفات داخل الحزب الشيوعي.
وبشكل عام، من الغريب أن الصين لديها عدد حلفاء قليل جدا رغم أنها صاحبة ثاني أكبر ناتج محلى إجمالى فى العالم، واحتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، وجيش مدهش بشكل متزايد، وبدلاً من ذلك، أصبح انخراط الصين قضية انتخابية فى الكثير من الدول المجاورة لها، بما في ذلك الدولة كثيفة السكان وصاحبة الأهمية الاستراتيجية، إندونيسيا.
وأعتقد أن مبادرة الحزام والطريق ستساعد أغلب العالم على التطور، فدعونا لا نفزع ونعتقد أن ذلك سيعنى أن الصين ستكون مسئولة عن كل ما سيحدث مستقبلاً.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”