بقلم: مايكل سبينس، حاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد، وأستاذ الاقتصاد بكلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك
يمر الاقتصاد العالمى بتحولات هيكلية كبيرة، بقيادة 3 اتجاهات هائلة، الأول هو التحول الرقمى للأسس التى تقوم وتدار عليها الاقتصادات، والثانى، هو نمو القوة الشرائية وقوة الاقتصادات الناشئة وللصين بالأخص، والأخير هو الاتجاهات السياسية الاقتصادية التى تتضمن ظهور الحركات الشعبوية ومختلف أنواع الاستقطاب السياسى والشعبوى والاجتماعى، والانهيار المحتمل فى إطار العمل متعدد الأطراف الذى قام عليه الاقتصاد العالمى منذ الحرب العالمية الثانية.
وتوجه وسائل الإعلام معظم تركيزها للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية التى تنتج عن تلك الاتجاهات، وأيضاً إلى التوترات التجارية والاستثمارية والتكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة، ومع ذلك، لا يزال الجزء الأكبر من سكان العالم يعيش فى دول فقيرة أو فى أفقر المناطق بالدول النامية، وعلاوة على ذلك، كان التراجع السريع فى الفقر العالمى خلال الثلاثة عقود الماضية ناتجاً فى الأساس عن النمو المستدام فى الاقتصادات النامية.
وستكون آفاق النمو المستقبلية للدول النامية ذات أهمية هائلة فى خفض الفقر أكثر، ورغم أن هذه الدول تعانى من رياح معاكسة قوية، إلا أن بإمكانهم اقتناص فرص النمو الجديدة خاصة بمساعدة المنصات الرقمية.
وتعد الرياح المعاكسة بالتأكيد قوية، وبداية، يهدد التقدم فى التكنولوجيا الرقمية – الروبوتات والآلات والحساسات – بشكل مباشر قطاعات التصنيع كثيفة العمالة وصناعات التجميع التى تعتمد عليها عادة الاقتصادات منخفضة الدخل وغير الغنية بالموارد.
وعلاوة على ذلك، سيكون للتغير المناخى أكبر الأثر الاقتصادى على المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حيث تقع معظم الدول منخفضة الدخل، وسيكون تأثير الاحتباس الحرارى مدمراً بشدة فى الاقتصادات الهشة، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً جديداً للنمو.
وفى نفس الوقت، لا تزال معدلات الخصوبة فى بعض الدول عالية بشكل مثير للدهشة خاصة فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وفى بعض أفقر الدول – النيجر ومالى وجمهورية الكونجو الديموقراطية – يبلغ المعدل 6 إلى7 أطفال لكل سيدة، ويكتسح فيضان الداخلين الجدد إلى سوق العمالة عدد الوظائف المتاحة.
ولا يوجد نموذج نمو يمكن أن يتماشى أو يواكب هذا الارتفاع فى عدد السكان، حتى أن معدل النمو المستدام عند 7% سنوياً لن يكون كافياً، ورغم أن معدلات الخصوبة تنخفض مع ارتفاع الدخل إلا أن ذلك لن يحدث سريعاً، وبالتالى فإن تمكين المرأة هو أكثر الطرق فاعلية لمعالجة هذا التحدى.
وتعيق الصراعات كذلك النمو، ورغم أن الكثير من الصراعات تعود لأسس دينية أو عرقية، يعتقد بعض الخبراء أن جذورها ربما تكون اقتصادية وتعمل الانقسامات العرقية كوسيلة لإقصاء بعض الجماعات عن الوصول إلى الموارد النادرة، وأياً ما كان سبب الصراعات، فإن عدم المساواة فى الفرص لديه تأثير سئ للغاية على الحوكمة وبالتالى النمو.
ولكن هذه التحديات يمكن تذليلها، فمن ناحية، تمتلك الدول النامية الآن إمكانات هائلة فى الدول متوسطة الدخل كوجهات تصديرية ولم تعد تعتمد بالكامل على الاقتصادات المتقدمة لدخول الأسواق العالمية.
كما أن تجدد الوعى بشأن أهمية البنية التحتية يساعد على دفع النمو، وبجانب الطرق، والسكك الحديدية، والموانئ، تعد الكهرباء والاتصال الرقمى ذو أهمية كبيرة، وفى هذا الشأن، يمثل التوسع السريع فى تكنولوجيا الخلايا اللاسلكية، بجانب تركيب خطوط “برودباند” عالية القدرة تحت البحار عبر أفريقيا تقدماً هائلاً.
ورغم انتقاد الكثيرون فى الغرب لمبادرة “الحزام والطريق” إلا أنها قد تجلب تطورات كبيرة فى الاتصال المادى والرقمى مع وسط آسيا وأجزاء من أفريقيا.
وسوف تخلق المزيد من التقدمات فى البنية التحتية الأساسية فرص نمو هائلة للدول النامية عبر التجارة الإلكترونية والمدفوعات عبر الهاتف والخدمات المالية ذات الصلة، وتشير تجربة الصين بقوة إلى أن هذه المنصات الرقمية، والنظم البيئية التى تتطور حولها تعد محركات قوية للنمو التراكمى وعالى الشمولية.
وبدأت بعض المنصات الرقمية فى الظهور مثل “جوميا”، وهى منصة تجارة إلكترونية ومقرها نيجيريا، وتغطى 14 دولة أفريقية، وطرحت أسهمها مؤخراً فى بورصة نيويورك.
ويتمثل التحدى الأكبر لهذه المنصات فى التنظيم الحتمى والضرورى للإنترنت حول العالم، وقد تتسبب التنظيمات المحلية المختلفة عن غير قصد أو بقصد فى تعطيل أو منع التطور الدولى لأنظمة التجارة الإلكترونية، ما سوف يضر الدول منخفضة الدخل، وبالتالى، فإن تجنب خلق هذه العوائق غير المقصودة يجب أن يكون أولوية للمجتمع الدولى.
وتواجه الدول منخفضة الدخل بالفعل مهمة صعبة فى محاولة تقليد النمو المبهر للدول النامية قبلهم، وسوف يجعل الأداء الاقتصادى العالمى السئ، وزيادة التوترات الوطنية والدولية المهمة أكثر صعوبة، وإذا كان العالم جاد بشأن تقليص الفقر فعليه أن ينتبه أكثر لمساره.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع “بروجيكت سنديكيت”