بقلم: باسل الباز الرئيس التنفيذى لشركة “كاربون القابضة”
خلال 50 عاماً، ستنتشر علامة “صنع فى إفريقيا” فى كل مكان مثل “صنع فى الصين” الملصقة على المنتجات التى تباع يومياً فى بريطانيا، مثل الملابس وأجهزة التلفاز، وفى الحقيقة يمكن أن تحل المنتجات الإفريقية محل العديد من تلك التى صنعتها الشركات الصينية اليوم، ومن المؤكد أن هذا السيناريو لا يبدو مستبعداً، خاصة أن إفريقيا، التى تتمتع بتاريخ متقلب من التنمية الصناعية، على أعتاب نمو اقتصادى حقيقى وهائل.
وأحرزت القارة السمراء تقدماً كبيراً بالفعل، فعلى مدى الـ15 عاماً الماضية تمتعت معظم الدول اإفريقية بنمو اقتصادى مطرد، وفى بعض الحالات كانت نسبة النمو السنوية تزيد عن 5%، مدعومة بارتفاع أسعار السلع اﻷساسية وفوائض الموازنة والاستثمارات اﻷجنبية والصراعات القليلة، كما أن قطاعات الخدمات تزدهر فى جميع أنحاء القارة، بينما تلعب طفرة الاتصالات السلكية واللاسلكية دوراً أيضاً، وكذلك قطاع الخدمات المالية الحيوى.
ومع ذلك، لايزال هناك 28 دولة من أفقر دول العالم فى إفريقيا، بالإضافة إلى أن نصف سكان القارة يعيشون فى فقر دون الحصول على حقوق الإنسان الأساسية، مثل الطعام والماء النظيف والمسكن، فى حين يعانى 2 من كل 5 أفراد من اﻷمية، كما أن الناتج المحلى الإجمالى للفرد يبلغ 1770 دولار فقط، أى حوالى ربع نصيب الفرد فى آسيا.
ويتطلب التحول المستدام نهجاً جديداً جذرياً، فاقتصاد الخدمات لن يخلص نصف مليار شخص من الفقر أو يخلق 100 مليون فرصة عمل، ولكن الاقتصاد الصناعى قادر على ذلك، حيث سيكون التصنيع القائم على التصدير هو مفتاح نجاح إفريقيا، تماماً كما حول ثروات الدول الآسيوية، خاصة الصين، فى العقود الماضية.
ويساهم قطاع التصنيع اليوم بنحو 9% فقط فى الناتج المحلى الإجمالى اﻷفريقى، مقابل 17% للقطاع الزراعى، كما أنه يمثل أيضاً ما يقل عن 2% من التصنيع العالمى، مما يدل على وجود مجالاً شاسعاً للتحسن.
ووضع الاتحاد اإفريقى قطاع التصنيع ضمن أولوياته فى “أجندة 2063″، وهو إطار استراتيجى للتحول الاجتماعى والاقتصادى للقارة على مدى الـ50 عاماً المقبلة، حيث تحظى تلك اﻷجندة بموافقةودعم الـ55 دولة اﻷعضاء فى الاتحاد.
وبالمثل، ساعد الإعلان عن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية العام الماضى فى توفير سوق واحد للسلع والخدمات، فضلاً عن أن هذه الاتفاقية تسمح للشركات اإفريقية بدخول أسواق جديدة وتوسيع قاعدة عملائها وربما التوسع فى منتجاتها.
ويتوقع الكثيرون، أن هذه الصلاحيات الجديدة ستكون حافزاً للاستثمار فى البنية التحتية العابرة للحدود، التى تشتد الحاجة إليها، مما يخلق مزيداً من فرص العمل ويطور الخبرة المحلية فى المشاريع الهندسية.
ومن المحتمل أن تحفز اﻷسواق الكبيرة الاستثمار، ولكن يتعين على الحكومات اإفريقية إتمام مهامها، خاصة فى ظل الحاجة لوجود سياسات جديدة لبناء قدرات الشركات المحلية وتعزيز المجمعات الصناعية، فعلى سبيل المثال عرضت الحكومات الآسيوية إعفاءات ضريبية وإعانات وعقود مخصصة للشركات ذات الأداء الأفضل.
وفى الوقت نفسه، تركز معظم الصناعات فى إفريقيا على التجميع ذي القيمة المضافة المتدنية لأن المواد الخام اللازمة لا يتم إنتاجها أو إتاحتها محلياً، وفيما يخص مصر، فهى ستمتلك للمرة الأولى المواد الأساسية اللازمة لصناعاتها الأساسية، مثل البلاستيك والتعبئة والتغليف ومواد البناء وقطع غيار السيارات، مما يسمح بجعل الإنتاج المحلى بديلاً للتجميع، وبالتالى ستساعد هذه الخطوة فى جعل مصر بلداً أكثر جاذبية للمصنعين فى الخارج.
ومن المقرر أن تلعب مشروعات، مثل “مجمع التحرير” لتكرير البترول فى مدينة السويس الممول جزئياً من مؤسسات التنمية مثل مؤسسة التمويل الإفريقية بجانب وكالات ائتمان الصادرات الرائدة وشركة “يولر هيرميس” ووكالة تمويل الصادرات البريطانية، دوراً أساسياً فى مساعدة قطاع التصنيع فى إفريقيا على تحقيق إمكاناته الحقيقية، ووفقاً لهذا الصدد، يجب على الحكومات الإفريقية إنشاء مناطق اقتصادية مشابهة لتشجيع الشركات والمستثمرين العالميين على الدخول إلى السوق.
ومع ذلك، لن تحدث هذه التطورات بين عشية وضحاها، بل إنه يبدأ فى الوقت الذي تؤثر فيه التوترات التجارية الناشبة بين الولايات المتحدة والصين على إنتاج المصانع، وتحرص الصين أيضاً على الحد من اعتمادها على أسواق التصدير وتتطلع إلى زيادة الطلب المحلى لديها.
وفى جميع أنحاء آسيا، ترتفع الأجور فى ظل طلب العمال لأجر أفضل، فقد ارتفعت الأجور الحقيقية المعدلة وفقاً للتضخم بنسبة 2.8% خلال العام الماضى مقابل 1.5% فقط فى جميع أنحاء العالم، أما إفريقيا فسيكون لديها قوى عاملة أكبر وأصغر سناً من الصين والهند بحلول عام 2050.
ولاتزال تمتلك إفريقيا ميزة أكبر – بجانب امتلاكها لقطاع صناعى متطور – تتمثل فى ابتعادها بنحو 15 يوماً فقط عن أوروبا إذا أتُخذ البحر كطريق للوصول، مما يؤكد على أن علامة “صنع فى إفريقيا” ستنتشر فى كل مكان ذات يوم.
وفى ظل تجاوز أوقات رحلاتها لأكثر من 50 يوماً حتى تتمكن من إيصال بضائعها، لن يكون الأمر فى صالح الصين على الإطلاق، وبالتالى يأتى دور التجارة الإفريقية.
إعداد: منى عوض
المصدر: فاينانشيال تايمز