منذ أقل من شهر فى المبنى الرئيسى لصندوق النقد الدولى، فى واشنطن، كان لدى كبار الاقتصاديين فى العالم رسالة قاتمة بالنسبة للاقتصاد العالمى.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن البيانات المخيبة للآمال قادت صندوق النقد نحو خفض توقعاته للنمو العالمى مرة أخرى وكان أى انتعاش فى النصف الثانى من العام الجارى «محفوفًا بالمخاطر» وهذا المزيج السام يعنى أن ربيع عام 2019 كان «لحظة حساسة» بالنسبة للاقتصاد العالمى.
ولكن بعد أقل من شهر يبدو أن رسالة صندوق النقد الدولى، كانت كئيبة للغاية، فخلال الأيام القليلة الماضية نشرت أكبر 3 تكتلات اقتصادية فى العالم «الاتحاد الأوروبى والصين والولايات المتحدة»، والتى تضم ما يقرب من نصف الناتج العالمى تقديراتها للربع الأول وكانت الثلاثة جميعها أقوى من المتوقع.
وبالنظر إلى أحدث البيانات فإن التباطؤ الذى شاهدناه أواخر عام 2018 قد انتهى بالفعل.وفى أوروبا توسعت منطقة العملة الموحدة بنسبة %0.4 فى الربع الأول وفقاً للتقديرات الأولية وهى نسبة أعلى بكثير من المتوقع بعد أن خرجت إيطاليا من الركود وتسجيل ألمانيا أداءً محسناً.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن اقتصاد الاتحاد الأوروبى نما بوتيرة أقوى بمعدل فاق %0.5.يأتى ذلك فى الوقت الذى رفع فيه بنك إنجلترا المركزى، توقعاته لأداء المملكة المتحدة العام الجارى من نسبة نمو تبلغ %1.2 إلى %1.5 حيث قال محافظ البنك المركزى مارك كارنى، إن التوقعات العالمية أصبحت أكثر إيجابية.
ولكن أداء أوروبا لم يرقى إلى البيانات القوية القادمة من الاقتصاد الأمريكى، حيث بلغ النمو فى الولايات المتحدة الربع الأول نسبة %0.8 وتشير حكومة واشنطن إلى أن هذه النسبة تمثل %3.2 على أساس سنوى وهو أعلى بكثير من المتوقع فى الربع الذى بدأ بإغلاق حكومى طويل الأجل.
وعلى الرغم من أن التفاصيل تشير إلى أن القوة قد تكون مؤقتة جزئيًا، إلا أن الأرقام لاتزال تشير إلى قوة دفع كبيرة، وفى الصين استقر النمو بمعدل سنوى قدره %6.4 وأظهرت أحدث الأرقام الصادرة عن الصناعة أن حافز البنية التحتية الحكومى كان له تأثيره المنشود، حيث ارتفع الإنتاج الصناعى بمعدل سنوى بلغ %8.5 فى مارس الماضى وهو أقوى بكثير مما توقعه المحللون.
وقالت كاثرين مان، كبيرة الاقتصاديين فى «سيتى جروب» إن التوقعات لاتزال هشة ولكن معدل النمو قد استقر مضيفة أن الآفاق قد تغيرت منذ اجتماعات الربيع لصندوق النقد.وفى لندن يشير النموذج الاقتصادى للمعهد الوطنى للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إلى نمو عالمى بنسبة %3.4 العام الجارى مقارنةً بتوقعات صندوق النقد الدولى، البالغة %3.3.
وقالت جاجيت تشادها، مديرة المعهد الوطنى للبحوث الاقتصادية، إنه من المحتمل أن يشهد هذا العقد نمو اقتصادى مستدام بشكل ملحوظ فى حين أن هناك مخاطر واضحة من تراكم الديون العامة والخاصة.
وأضافت أن البيانات لم تدعم بعد نظرة صندوق النقد الدولى، إلى النمو العالمى المحفوف بالمخاطر.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هناك بعض النقاط المظلمة فى النظرة العالمية والاقتصادات التى كانت ضعيفة خلال الربع الأول تمثل الاستثناء وليس القاعدة.
وعلى سبيل المثال تعانى إيران من العقوبات الاقتصادية بالإضافة إلى تقلص الاقتصاد الكورى الجنوبى فى الربع الأول على خلفية انخفاض الصادرات إلى الصين ويبدو أن الاقتصاد التركى أصبح عرضة بشكل متزايد لمزيد من هروب رؤوس الأموال فى وقت يكافح فيه للتعامل مع الركود.
وقال كيفن دالى كبير الاقتصاديين فى بنك «جولدمان ساكس»، إن التراجع فى أسواق الأسهم يرجع إلى حد كبير لارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى جانب المخاوف من الحرب التجارية وارتفاع أسعار البترول، وأضاف دالى، أن التحسن الذى شاهدناه العام الجارى يرجع إلى الانعكاس الجزئى لتلك العوامل.
وأشار إلى أن استمرار المرونة فى قطاع الخدمات وأسواق العمل القوية قد عززت النمو ولكن كان هناك أيضاً مساعدة من جانب التحفيز المالى الصينى.
وكانت التوقعات القاتمة مدفوعة إلى حد كبير بمشاكل التجارة والتصنيع ودفعت الاهتمام بنمو دخل الأسرة وانخفاض البطالة وقوة الخدمات، ونتيجة لذلك، بدأ بعض المتنبئين فى زيادة توقعاتهم الاقتصادية حيث رفعت مجموعة «سيتى» المصرفية تقديراتها للنمو الاقتصادى العالمى لأول مرة منذ فبراير 2018.
ومع ذلك، لاتزال هناك مخاوف من حدوث انتكاسة خاصة وأن حجم تجارة السلع العالمية خلال الأشهر الثلاثة الماضية انخفض على أساس سنوى لأول مرة منذ الأزمة المالية قبل عقد من الزمن.
وحذرت جانيت هنرى، كبيرة الاقتصاديين فى بنك «إتش إس بى سى»، من تراجع الواردات رغم استقرار النمو.
يأتى ذلك فى الوقت الذى لاتزال فيه المؤشرات الاقتصادية الرائدة مثل تلك التى تنتجها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، تدق إشارات التحذير، بالاضافة إلى ذلك توجد مخاطر كبيرة تلوح فى الأفق حيث لا يتوقع الكثيرون أن يؤدى تقارب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مع الصين إلى إنهاء الحديث عن الحروب التجارية ويخشى كثيرون من تصعيده التوترات التجارية مع الاتحاد الأوروبى بمجرد إبرام اتفاق مع بكين.